المنشور

استغلاليون لموجة


دهشتُ من ممثل عربي كان شاباً واعداً في أفلام يوسف شاهين وقد ظهر في محطة فضائية من هذه المحطات التي ظهرت كالعشب الضاري فوق عقول العرب المتصحرة، ظهر بلحية ليعلم بالإسلام وهو يخطئ في لغته العربية ولا يعرف تاريخ العرب والمسلمين، ويتصدى لقضايا كبرى خطيرة!


هذا زمانٌ امتلأت فيه المدنُ العربية بالمسحوقين والسحرة، الأولون يبحثون عن بصيص ضوء ينجيهم من قسوة الأسعار المرتفعة ولعنة الأجور الهابطة وكوارث السكن والصحة والتعليم والبيئة، في ظل حكومات اللصوص الكبار المدعمين بأعظم تكنولوجيا غربية في استلال الأموال وتعمية الأبصار. والآخرون من السحرة انتهزوا زمان الجنون والعولمة وتخريف الجامعات العربية ليظهر كلُ واحدٍ منهم بالمنجي من الضلال. وفئة المثقفين الانتهازيين الذين يميلون مع الموجة ويستثمرونها هم دائماً في الموقع نفسه، لا يتأخرون ولا يتقدمون، يوظفون الموجة السياسية لمصلحتهم، أناسٌ لا هوية لهم، ولا أخلاق، بل هي المصلحة الذاتية، (إملأ جيوبي أكن معك).

 
والدول والحركات حين تكون استغلالية تعتمد عليهم، فهم الحربة التي توجه للمناضلين وللعاملين، وهم الأدوات التي تكون الآلات الحكومية لتدوس الناس، وترفعُ الفوائضَ المالية الكبيرة لمن بيدهم الأمر، فهم بوم الكوارث في الأنظمة، وطيور الخرابات، فلا يتجمعون إلا وصار أي وطن خرابة، وتحولت أي دولة إلى أطلال.
 والحكامُ يفرحون بهذا البوم، ويسعدون كلما كثرت أسرابهُ، وهو ليس سوى إشارة على انتهاء عهدهم، لو يعلمون القراءة العميقة. والحكام الحكماء يقولون غري يا صفراء ويا حمراء، يقصدون بها الفضة والذهب، ويردون على كل طاغية صغير يقول إن الناس لا تقومهم سوى العصا، بقول عمر بن عبدالعزيز (كذبت بل يقومهم العدل). وتجد أكثر هذا في الشامتين في اليسار وسقوطه، الذين تحولوا بين ليلة وضحاها إلى خدم ومؤمنين شديدي الإيمان، يريدون أن يخدعونا، وهم الذين باعوا أنفسهم لمن يدفع ولمن يرفعهم بوصة واحدة على قامات الفقراء، وعلى المثقفين المناضلين الشرفاء، يريدون تصوير ذواتهم بأنهم مناضلون الآن من أجل الإسلام، حين ارتفعت أسعار النفط والأرز والشعير. وكان الرجلُ يديمُ إجازاته في تايلند والفلبين ثم صار إماماً يؤم المصلين، ويدعو لزوال الالحاد والكفر المبين، وصار الناس يستشيرونه ونسوا وقتاً كانوا يرجمونه. وهذه الموجة الدينية المليئة بالخزعبلات والخرافات والريالات والدولارات مؤقتة لأنها ليست مليئة بالعقلانية والمبادئ المحمدية النضالية العظيمة، وتستغلها الحكوماتُ الفاشلة في كل أمم المسلمين لخداع المسلمين، فإذا هي لم تحفرْ في نظم الاستغلال والحكم المطلق وتعزلها عن فضائنا السياسي فهي شرٌ وليست خيراً، والعاقبة للمتقين. وهؤلاء المثقفون الكثيرون الكثيفون الانتهازيون علامة شر وهوان، ومن نجا منهم مضى في سُبل الجهاد لا سبل الانحناء، وهم يستعينون بكل المخزن العتيق لإرث الاستبداد، معلين الطائفة، فصاروا في منزلة (الكفر) بالشعوب وهم لا يشعرون، وهم أحياناً معاصرون يستعينون بآلة الغرب الثقافية لدوس بذور النضال في ثقافة الشرق، تكرسهم مناهجُ جامعاتٍ لا تجمع سوى الغث وغياب العقل والموقف العربي الإسلامي والإنساني النضالي، ثم تجدهم منتفخين بما جلبوه من بضاعة خارجية زعموا أنها من إنتاجهم فالقابضون على الجمر الشعبي قلةٌ ممتحنة في عيشها البسيط يمسكون الخيوط الرقيقة للمقاومة، وبوصلتهم أن يغوصوا بين الناس، صانعي التخلف وزواله، وهذا جدلٌ عسيرٌ فهمه على من أدمن الخرافات الشرقية والغربية.


 الغوصُ بين الناس وتحويلهم أداة تغيير علامة فارقة، تؤسس نفسها في الفلسفة والكتابة إنتاجاً لوعي غير مستورد يبني دلالاته على تغيير حياة العرب من دون كاتلوج جاهز، ويكشف أبنية الاستغلال منذ فرعون ذي الأوتاد حتى فرعون ذي الآبار، وذي الأوغاد الثقافيين الكثيرين. حين يولدُ مثقفٌ بهذا الشكل يُوضع في سَبت في نهر دافق يتوجه نحو قصر فرعون لينهي عهده. بهذا تكلمت التوراة والقرآن والإنجيل والبيان. تعددتْ الألفاظُ والموتُ واحد.

 
(قد أفلح من زكاها) وليس من سرقها وركب موجتها وسرق فقراءها، وبنى لنفسه قصوراً وفللاً من أضلاعها. لا يستطيعون خداع المسلمين، لأنهم عرفوا كثيراً من اللصوص بعدد الغبار في صحاراهم وبقدر الجوع في بطون أطفالهم، وبقدر الثوار الذين ماتوا شهداء في أرضهم أو تحولوا إلى حكامٍ ظالمين على أعناقهم، وبعدد أبيات الشعر التي فجروها في كفاحهم وغزواتهم وطربهم حتى زادت على عدد النجوم والأفلاك. فلا يتصور الواهمون أنهم فلتات في التاريخ، وأنهم مخادعون لم يجد الزمانُ بمثلهم، فهم مجردُ غبارٍ وفقاقيع يضيعون حيواتهم فيما لا يحفر عميقاً في الأرض ويصير مع ذهاب الصولجان والهيلمان إلى مخلفات توضع في المزابل. وهم شبعوا من التخريف فلديهم جبال حاشدة منها، منذ فرعون ذي السحرة، فما أفادته سحرته ولا ثعابينه ولا كنوزه، ومضى غارقاً في بحر الظلمات.


 وقلْ أشهد إنني من المكافحين البسطاء غير الضالين بالنقود والخرافات والطوائف.
 
 
أخبار الخليج 1 أكتوبر 2008