المنشور

أولويات النواب‮ ..!‬



 

زُ ف إلينا في الأسبوع قبل الماضي خبر عن تشكيل لجنة تنسيقية بين الكتل النيابية بعد أن أصبحنا على باب الانعقاد الجديد لمجلس النواب.
الخبر يحمل في ثناياه ما يفيد أن الكتل النيابية استعدت لدور الانعقاد المقبل وقررت التنسيق فيما بينها من خلال لجنة تعني بالتنسيق تجتمع كل شهر على الأقل لمناقشة القضايا المتفق عليها بين الكتل النيابية، والتشاور في القضايا المختلف عليها للخروج برؤية واحدة مع مناقشة أية قضية يدعو إليها أي من رؤساء هذه الكتل.
في قلب الخبر أسماء لجنة التنسيق وموعد بدأ الاجتماع الأول، والاهم من ذلك تلك الإشارتان التي فهمنا من أولاهما بأن اتفاقا تمّ بين الكتل النيابية على تجنب القضايا التي تثير الطائفية أو الشحن الطائفي، والعمل من اجل الوحدة الوطنية. أما الإشارة الثانية فهي تلك التي بشرتنا باتفاق بين الكتل على “القضايا والأولويات المشتركة التي تصبّ في مصلحة المواطن البحريني، وفي مقدمتها تحسين المستوى المعيشي، الإسكان، الميزانية العامة للدولة، قضايا الفساد المالي والإداري”.
جيد، لا بل ممتاز هذا التوجه من قبل الكتل النيابية، بعد مرحلة من التأزيم والتصعيد والمناكفات والسجالات والاحتقانات والصفقات والتنازلات الظرفية التي أساءت إلى الممارسة البرلمانية وأضعفت من حضورها التشريعي والرقابي المطلوبين ولسنا الآن في حاجة لأن نستعرض تلك المعارك و”البازارات” في التصريحات والمواقف التي يعلم الله كم كانت شرسة أحياناً.
كما انه أمر جيد بل وممتاز أن تتجه الكتل النيابية إلى وضع قائمة بالأولويات الواجب على الجميع التركيز عليها، والتي يفترض أن تكون أولا حصيلة قراءة نيابية دقيقة لواقع واحتياجات المواطن، وثانياً حصيلة مراجعة تصحيحية ذاتية من قبل النواب لمستوى أدائهم السياسي في الفترة الماضية التي سيطرت عليها ذهنية لا يخفى على الجميع كيف حكمت مسار العلاقة بين الكتل النيابية وخلقت أجواء أقل ما يمكن أن يقال عنها بأنها غير صحية على الإطلاق، أجواء غيبت فعل التركيز على الأولويات وغلبت لغة الإنشاء والتمنيات والشعارات ومعاملات الناخبين..!!
لذلك عندما يتحدث النواب هذه المرة عن الأولويات التي سيركزون عليها معاً، فهو أمر نحتفي به ونقدره وندعمه، حتى وان بدت المناخات التوافقية الأخيرة بين النواب موضع شك في جديتها على خلفية واقع عايشناه من الاحتكاكات والتجاذبات، لا بل نوع من الريبة الخفية التي تجرأت عن كشف هويتها أكثر من مرة وحملت بلادنا اكبر بكثير مما يمكن أن نتحمله وتتحمله وذلك أمر عبّر عن هوّة لا يستهان بها بين تطلعات وتوجهات الكتل النيابية يصعب تجاهلها.
ويبدو أن هناك من بعض النواب قبل غيرهم من استكثر علينا أن نعيش أي مناخات ايجابية يغلب عليها الممارسة النيابية الحقيقة، هؤلاء على ما يبدو تعودوا العمل في “جو فوضوي”يغلب عليه التقلبات و المناورات والزلات والتشكيك في النوايا لذا كان غريباً ومفاجئاً بعد أيام فقط من ذلك الخبر أن يظهر لنا من أراد أن يوجه لنا رسالة من النواب مفادها: لا تفرطوا في التفاؤل ولا تنساقوا وراء لغة الإنشاء و التمنيات وشعارات التعاون، وانّ إرادات التعاون لازالت منكفئة لصالح إرادات أو اعتبارات، أو مصالح، أو حسابات لا يعلمها إلا الله. وإلا ما معنى أن يخرج لنا احد أعضاء كتلة نيابية ليعلن على الملأ بأن “اللجنة التنسيقية بين الكتل النيابية هي مجرد لجنة شكليه ولن يكون هناك حيالها التزام كلي من الجميع”، فيما ظهر نائب آخر من كتلة أخرى متشككاً في صدقية النوايا وجدية التوافق ..!! مما ينبئ بأن اللجنة التنسيقية بين الكتل النيابية قد وئدت قبل أن تولد.
وما دمنا على أبواب انعقاد جديد لمجلس النواب، فإن هذا يعني امتحانا جديدا للحياة البرلمانية، أن تكرم فيه أو تكون النتيجة مخيبة للآمال، فالأمر يتعلق بمستوى أداء النواب، ومدى قدرتهم على ترجمة استعدادهم المعلن على عدم الانسياق وراء ما تريده القبيلة والطائفة والمذهب والمنطقة أو هذا التيار السياسي أو ذاك على حساب الرؤية الوطنية الشاملة الجامعة. وهذا هو الذي يجب أن يكون أولى أولويات مجلس النواب، لأنه حينئذ سيكون قادراً على تبني الأولويات التي لا يختلف عليها أحد.
 ونعلم جيداً كم هي كثيرة المشكلات والقضايا التي لا يجب أن يكون اهتمام النواب بشأنها معطلاً، كما هي كثيرة الأولويات التي مهما يكن لا بد أن توضع على رأس أولويات النواب وبرامج عملهم والتي تقضي التحرك من اجلها إلى أقصى حدود طاقاتهم، وفي الصدارة أولويات تتصل بالمحافظة على قدسية المال العام ومحاربة الفساد وتفعيل الشفافية والمساءلة وبشكل عام ترسيخ مبادئ الحكم الصالح.