المنشور

أين نحن من يوم السلام العالمي؟‮! ‬

وكما لو أننا في‮ ‬خصومة دائمة مع السلام،‮ ‬ففي‮ ‬الوقت الذي‮ ‬يحتفل فيه العالم باليوم العالمي‮ ‬للسلام والذي‮ ‬يصادف الحادي‮ ‬والعشرين من سبتمبر‮ (‬أيلول‮) ‬كل عام،‮ ‬وترفع المنظمات الدولية الشعارات التي‮ ‬تدعو إلى المحبة والسلام والأمن الاجتماعي‮ ‬وتخرج في‮ ‬مسيرات كرنفالية بهيجة من أجل السلام‮.. ‬وفي‮ ‬الوقت الذي‮ ‬تنظم فيه المؤسسات التربوية احتفالاً‮ ‬حاشداً‮ ‬بهذا اليوم وتكرس بنود هذا اليوم السلمي‮ ‬في‮ ‬مناهجها ومقرراتها وضمن فعالياتها الأنشطية‮..‬
وفي‮ ‬الوقت الذي‮ ‬يصدح فيه الفنانون بأغاني‮ ‬الحب والسلام وسط جموع الناس وتعزف أروع المؤلفات الموسيقية التي‮ ‬كتبت للسلام‮..‬
وفي‮ ‬الوقت الذي‮ ‬تدعو فيه الأحزاب والرابطات والاتحادات في‮ ‬دول النزاع بآسيا وأفريقيا إلى ضرورة نبذ العنف والإرهاب والحروب والوقوف ضد التمييز والعنصرية‮.‬
وفي‮ ‬الوقت الذي‮ ‬تنظم فيه بعض المؤسسات الفنية مهرجانات تختص بأفلام السلام ومخرجي‮ ‬أفلام السلام‮.‬
وفي‮ ‬الوقت الذي‮ ‬يصبح فيه اليوم العالمي‮ ‬للسلام في‮ ‬كثير من الدول تظاهرة كبيرة لتكريس وتعميق وتعزيز قيم السلام والمحبة والإخاء والود بين كافة شعوب الأرض باختلاف معتقداتهم ومذاهبهم وتوجهاتهم الأيديولوجية‮. ‬
في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬تدرك فيه هذه الدول والمنظمات والشعوب أهمية الاحتفال بهذا اليوم،‮ ‬نكون نحن في‮ ‬غفلة عن هذا اليوم،‮ ‬مقصودة ومتعمدة أو مؤسسة على جهالة وتخلف،‮ ‬وكما لو أننا لا علاقة لنا على الإطلاق بيوم‮ ‬يدعى‮ ‬يوم السلام،‮ ‬ولا علاقة لنا بمن أطلق هذا الاحتفال بهذا اليوم ولا علاقة لنا بأسباب الاحتفال بهذا اليوم،‮ ‬كل ما نعرفه وننام ونصحو عليه هو أننا مجتمع موبوء بالطائفية وتعدديتها في‮ ‬الطائفة الواحدة وفق النهج‮ (‬الديمقراطي‮) ‬الذي‮ ‬يقتضي‮ ‬التعددية،‮ ‬وأننا مجتمع اعتاد الخصومة والنزاع والشجار حول أتفه الأمور،‮ ‬لا وقت لديه للسلام أو‮ (‬مشتقاته‮)‬،‮ ‬ولا‮ ‬يعنيه كثيراً‮ ‬إن كان العالم‮ ‬يحتفل بهذا اليوم أم لا،‮ ‬ولا‮ ‬يهمه إن كان هذا السلام خلاص للأمة من وباء القتل والفتك والإرهاب أم وبال عليها‮.‬
كنا ننتظر دوراً‮ ‬واضحًا وملموسًا من مؤسسات المجتمع المدني‮ ‬ومن المؤسسات الثقافية ومن المؤسسات التربوية والتعليمية،‮ ‬إذ لا‮ ‬ينبغي‮ ‬أن‮ ‬يمر هذا اليوم‮ (‬مر الكرام‮)‬،‮ ‬كنا ننتظر منها موقفًا حاسمًا ضد الطائفية والشغب والفوضى والترهيب والتكفير ودس السم في‮ ‬العسل،‮ ‬كنا نرتجي‮ ‬منها مسيرة توحد صفوف الشعب تحت لواء السلام والمحبة وإعلان ميثاق شرف بينها‮ ‬يحمي‮ ‬الديمقراطية من زلات التلاعب الأرعن الذي‮ ‬يسعى إلى تقويض أركانها،‮ ‬وإشاعة الفوضى والشغب من أجل إزالتها تمامًا وترجيح كفة المعادين لها،‮ ‬ميثاق شرف‮ ‬يدرك أن المجتمعات دون سلام هي‮ ‬مجتمعات دون حضارة،‮ ‬مجتمعات تقتات من المتبقي‮ ‬في‮ ‬دياجير العصور المظلمة‮. ‬
يوم السلام العالمي‮.. ‬إذا كنا لا نراه أو نتعمد عدم رؤيته متجسداً‮ ‬على أرض الواقع،‮ ‬فلنلتفت قليلاً‮ ‬إلى بعض الفضائيات التي‮ ‬لا نرى منها سوى ما نود أن نعلن استياءنا منه‮.‬
لنلتفت إلى إعلان منظمة الأمم المتحدة الذي‮ ‬وضعته أمام مبناها ودعت من خلاله الفنانة كارول سماحة المشاهد إلى فسحة حلم‮ ‬يتم من خلالها رؤية العالم دون حرب‮.‬
لنلتفت إلى أطفال جاما العاصمة الكشميرية وهم‮ ‬يبعثون رسائل السلام إلى كل أطفال الهند من أجل السلام ونبذ العنف وتوحيد شعب الهند‮. ‬
لنلتفت إلى مهرجان دبي‮ ‬السينمائي‮ ‬الدولي‮ ‬وهو‮ ‬يختار الفيلم الوثائقي‮ ‬الطويل‮ (‬يوم ما بعد السلام‮) ‬في‮ ‬مبادرة منه تهدف إلى دعم السلام العالمي‮.‬
لنلتفت إلى المؤسسات الثقافية والإنسانية في‮ ‬أوربا وهي‮ ‬تنظم بمناسبة اليوم العالمي‮ ‬للسلام ملتقى للثقافات والإبداع تتحاور من خلاله حول القضايا المتعلقة بالسلام كضرورة ملحة لا‮ ‬غنى للشعوب والحكومات عنها‮. ‬
لنتأمل دعوة رئيس مفوضية السلام بجنوب السودان لويس لوبونق الحكومة والمؤسسات الدينية والزعماء التقليديين وجميع المواطنين في‮ ‬جنوب السودان إلى التسامح خلال الاحتفال بيوم السلام العالمي‮ ‬ووضع حد للعنف‮. ‬
لنلتفت إلى معهد دراسات السلام التابع لحركة سوزان مبارك الدولية للسلام وهو‮ ‬ينظم احتفالية بمناسبة‮ ‬يوم السلام تشارك فيها الفنانة‮ ‬يسرا،‮ ‬سفيرة الأمم المتحدة للنوايا الحسنة،‮ ‬وهي‮ ‬دعوة لكل محبي‮ ‬السلام للمشاركة ومساندة السلام‮. ‬وسيرتدي‮ ‬المشاركون في‮ ‬الاحتفالية الملابس البيضاء‮.‬
ولنا أن نلتفت أيضًا إلى وزارة الإعلام وهي‮ ‬تنظم حفل استقبال بهذه المناسبة،‮ ‬في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬ينبغي‮ ‬أن تساندها في‮ ‬مثل هذا اليوم مؤسسات المجتمع المدني‮. ‬
فأين نحن من السلام ومن‮ ‬يومه الذي‮ ‬عبر بالأمس دونما احتفال أو تذكير به عدا احتفالية وزارة الإعلام التي‮ ‬نظمتها بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة؟
 
صحيفة الوطن
25 سبتمبر 2008