المنشور

اليوم الفاصل بين عهدين

لن تمر مرور الكرام الأزمة التي‮ ‬عصفت بالأسواق المالية منذ الاثنين الأسود الذي‮ ‬صادف الخامس عشر من سبتمبر الجاري،‮ ‬حيث انهارت مؤسسات عرفت بوضعها المتين،‮ ‬ولم‮ ‬يخطر في‮ ‬الأذهان أنها‮ ‬يمكن أن تتعرض لهزة بهذا العمق والجدية‮.‬ أكثر من ذلك،‮ ‬هناك مِن بينَ‮ ‬الخبراء،‮ ‬مَن‮ ‬يرى أن ما جرى من انهيار ليس سوى قمة جبل الجليد المطمور في‮ ‬عمق المحيط،‮ ‬وان تداعيات أخرى لهُ‮ ‬آتية لا ريب فيها،‮ ‬لأن الأزمة أصابت منظومةً‮ ‬متكاملة،‮ ‬ما أن‮ ‬يتعرض أحد أجزائها للعطب،‮ ‬حتى تتصدع بقية الأجزاء،‮ ‬بنسبٍ‮ ‬تزيد أو تقل‮.‬ قام البناء الرأسمالي‮ ‬العالمي،‮ ‬في‮ ‬الأساس،‮ ‬على نبذ فكرة تدخل الدولة في‮ ‬ضبط الأداء الاقتصادي،‮ ‬وترك القوة العمياء للسوق تتحكم في‮ ‬هذا الأداء،‮ ‬تحت حجة أن السوق قادرة بنفسها على تصحيح أي‮ ‬خلل تقع فيه‮.‬ ومن سخرية الأقدار أن نجد المؤسسات المالية التي‮ ‬رأت‮  ‬في‮ ‬تدخل الدولة حَجْراً‮ ‬على الحرية الاقتصادية تستغيث بهذه الدولة ذاتها لإنقاذها من المأزق،‮ ‬حين أثبتت الحلول الأخرى عجزها،‮ ‬أو على الأقل عدم كفايتها،‮ ‬في‮ ‬وقف الانهيار،‮ ‬فكان المخرج الوحيد للأزمة هو تدخل الحكومة الأمريكية بضخ مئات المليارات من الدولارات في‮ ‬الأسواق‮. ‬ والأمر نفسه،‮ ‬حدث في‮ ‬بريطانيا حين تدخلت الحكومة لإنقاذ‮ »‬هاليفاكس‮- ‬بنك اوف سكوتلاند‮« ‬عن طريق قيام بنك لويدز بشرائه بمبلغ‮ ٢١ ‬مليار جنيه إسترليني،‮ ‬وبالمثل قام البنك المركزي‮ ‬الأوروبي‮ ‬وبنك اليابان،‮ ‬بضخ ‮٠٨١ ‬مليار دولار في‮ ‬الأسواق عن طريق زيادة مشترياتهما من سندات الخزانة الأمريكية‮. ‬ وترتفع أصوات الخبراء الاقتصاديين الداعية لإعادة النظر في‮ ‬الموقف من تدخل الدولة في‮ ‬ضبط الاقتصاد،‮ ‬انطلاقاً‮ ‬من الدروس المريرة للأزمة الأخيرة،‮ ‬حيث تتم المطالبة بقواعد أكثر تشدداً،‮ ‬وإلا فان تداعيات هذه الأزمة مرشحة للاستمرار،‮ ‬مما‮ ‬يُنذر بالمزيد من الخسائر‮.‬ وتلفت النظر الانتقادات الحادة التي‮ ‬وجهها كل من المستشارة الألمانية انجيلا ميركل ورئيس الوزراء البريطاني‮ ‬جون براون لفوضى السوق،‮ ‬فالأولى انتقدت النظام المالي‮ ‬الأمريكي‮ ‬لسماحه بمعاملات تحمل قدراً‮ ‬كبيراً‮ ‬من المخاطرة،‮ ‬بما‮ ‬يلحق الضرر بمختلف الأسواق المالية في‮ ‬العالم،‮ ‬واستهجنت ضعف الإشراف الحكومي‮ ‬على هذا النظام‮.‬ وقالت إنها دعت إلى فرض رقابة أكبر وشفافية أوسع على الأسواق الدولية خلال اجتماعات قمة الثمانية العام الماضي،‮ ‬التي‮ ‬عقدت في‮ ‬ألمانيا،‮ ‬إلا أنها لم تلق آذاناً‮ ‬صاغية من قبل المسؤولين الأمريكيين‮. ‬ ‮ ‬مثل ماركيل وجه رئيس الوزراء البريطاني‮ ‬بدوره انتقادات لاذعة لأداء الأسواق المالية،‮ ‬وهو الآخر وصف سلوك حي‮ ‬المال والأعمال في‮ ‬لندن،‮ ‬بغير المسؤول،‮ ‬داعياً‮ ‬لاجراءات صارمة من جانب الحكومة في‮ ‬الإشراف على الأداء الاقتصادي،‮ ‬منعاً‮ ‬للفوضى التي‮ ‬أدت في‮ ‬النهاية إلى ما أدت إليه من انهيار‮.‬ كأن الاثنين الأسود‮ ‬يُشكل‮ ‬يوماً‮ ‬فاصلاً‮ ‬بين عهدين في‮ ‬الاقتصاد العالمي‮.‬
 
صحيفة الايام
24 سبتمبر 2008