المنشور

النساء وضعف الخبرة السياسية


مثل العاملين تتعرض النساء لخداع العالم الذكوري السياسي المسيطر الماكر، وينطلي على بعضهن ذلك بسهولة، نظراً لفقدان الخبرة السياسية، وعدم التعرض لمحن السجون والتنظيمات والحُكم بذات الاتساع الذي يتعرض له الرجال. وتعيش أغلبُ السياسيات النسائيات في عالم تقليدي، إما أن يكون شديد الحموضة وإما وردياً خلاباً. إن ضعف التفكير الجدلي، وغياب التفحص في التناقضات للمنظمات السياسية التي يسيطر عليها الذكور المحافظون غالباً، والمظلة الدينية التقليدية التي تظلل رؤوسهن، وعالم السحر الذي يؤمنّ به بقوة، كل هذه تمنع أن يزحن سيطرة الرجال التقليديين عن أفقهن السياسي.


ومن هنا فإن إيمانهن بالدجلين الديني والقومي يكون كبيراً، فرغم أن أغلبية العالم الحديث قد أعلنت قطيعتها مع الأنظمة والتنظيمات الشمولية والدينية الشرقية نظراً لسوء دور هذه الأنظمة ليس فقط في غياب الديمقراطية ورفضها للوطنية والعقلانية بل كذلك لدورها في استغلال النساء الجنسي بدرجة أساسية، إلا أن هؤلاء النسوة لهن حب جارف لهذه الشبكة العنكبوتية من المتخلفين العاجزين حتى عن اللحاق بأنظمة الاستغلال السيئة الغربية أو عن فهم عظمة الإسلام. لكن هذا ليس عجيباً إذا عرفنا أن الأنظمة الشرقية أبعدت النساء طويلاً عن ميادين العمل الإنتاجية، منذ أن كن رقيقاً وجوارٍ وربات بيوت ممنوعات من الخروج ومتخصصات في المطابخ والأسرة ورواية الخرافات للأطفال.

 
وحتى عندما جاءت التجاربُ الحديثة والتأثراتُ بالحداثة فإن التنظيمات والدول السياسية الشرقية لم تعترف بالنساء مشاركات في هذه التجارب، وعرقلتْ دخولهن إلى ميدان السياسة طويلاً، لأن هذا الميدان يكشفُ للنساء المعسكرات الاجتماعية بدقة ويدخلهن حومة الصراع من أجل حقوقهن المغتصبة على مدى القرون. كانت التنظيماتُ الذكورية السياسية المحافظة عموماً تحول الصراع مع السلطات الاستعمارية والتابعة كصراعٍ مجرد، كانت كلمات مثل (الحرية الوطنية)، و(سقوط الاستعمار)، و(سيادة الشعب أو الأمة)، شعارات عامة، كأن لا دخل لها بخروج المرأة للعمل، أو منع الزواج والطلاق التعسفيين، شعارات ظلت بعيدة عن مطبخ المرأة الذي تحترق فيه وتملأ الغازات دواخلها وتجعلها الولادات المستمرة كائناً لا وجود له في الوقت الذي تصنعُ فيه الوجود.

 
وعندما تجسدت بعضُ الأنظمة الوطنية العربية وحققت للنساء بعضاً من المكاسب المحدودة، وأنشأت بعضَ القوميات والرائدات، كانت أغلبية النساء في جهل وأمية، وحين عصفت الزوابعُ بهذه الأنظمة نظراً لعدم جذريتها في التغيير الاجتماعي، وخاصة ما تعلق بالنساء والعاملين، جاءت أنظمة دينية أسوأ، وحتى بعض الحريات التي حققتها النساء في الزمان القومي التحرري، جرى اختطافها من قبل الدينيين المعادين بقوة لعالم المرأة الحر. ليس لشيء سوى أن آلة الدولة الدينية أكثر استغلالاً وأقل حداثة.

 
وقد أصيبت نسوة بخيبة أمل حين لم تدافع بعض القيادات الدينية عن حقوقهن، نظراً لتخلف هذه القيادات عن فهم الإسلام والعصر، وطالبتهن بالخضوع للقوانين المتخلفة المتعلقة بالزواج والإرث وحقوق الأسرة عامة، واتضح أن هذه القيادات لا تختلف عن قيادات الدول الرجعية.
وينطبق على هؤلاء النسوة ما ينطبق على الرجال الحداثيين غير المطلعين على تاريخ أمتهم، فهم يريدون الايجابي المنجز المستورد من الغرب، وليس الذي يناضلون له داخل واقعهم الإسلامي العربي الخاص، أي أن عليهم أن يقاوموا المحافظين في السلطتين السياسية والدينية، بكل المنجزات التي تحققت في النصوص والتجارب العربية والعالمية، ويشقوا لهم طريقهم الحر الخاص. فغلبة المحافظين عليهم تأتي من توظيفهم نصوص الدين التي يجعلونها قيوداً للمسلمين ويأولونها كيفما شاءت مصالحهم، وليس في مسارها الموضوعي.


تشعر أغلبية النسوة السياسات بالتضاد مع أحكام الدين كما يترجمها المحافظون، الذين يمسكون سلطة تفسير النصوص، وأقلية من النسوة لا تحس بذلك خاصة في مجال السياسة العامة، فالمحافظون يظهرون هنا في هذا المجال المجرد بأنهم قيادات حرية وطنية، لكن ما نفع أوطان حرة ونساؤها مستعبدات؟ أليس تخلف النساء والجور عليهن وإنتاجهن أطفالاً معوقين حضارياً هو فتح الباب مجدداً للسيطرتين الخارجية والداخلية؟
لا تستقيم الحرية في الشارع وتـُمنع في البيوت.


أخبار الخليج 19 سبتمبر 2008