المنشور

العمالة الخليجية: المستويات

تنقسم العمالة الأجنبية في الخليج إلى مستويات اقتصادية متعددة، فهناك القسم الأكبر وهو العمالة غير الماهرة، وثمة أعداد منه هامشية وليس لها غرض اقتصادي مهم، لكنها توجد بحكم استثمار المتحكمين في الأجهزة لهؤلاء البسطاء، وهناك العمالة الماهرة وقوى الإدارة. كما تنقسم إلى العمالة الوطنية والعمالة الخارجية، وتتمتع العمالة الوطنية بالأفضلية في بعض الدول الخليجية كالكويت وقطر، والإمارات، ومعظمها عمالة إدارية، وعسكرية، فهي من نوعية الموظفين الذين يقومون بمهمات كتابية وعسكرية وأمنية، ولا يعملون بأيديهم، أي أن نسبة (البروليتاريا) متدنية في هذه البلدان، بينما تتصاعد في البحرين والسعودية وعمان. واتساع الأعمال الإدارية بين العمالة الخليجية الوطنية هو جزءٌ من جذور قوى العمل في المنطقة، فكلما قل المواطنون في الدولة المعنية زاد حضورهم في أجهزة الدولة، مثلما تزداد مستوياتهم العليا ثراءً، لتكون حاجزاً اقتصادياً وسياسياً أمام بحر العمال الأجانب، كما يخضع حضور العمال لهوى الدولة السياسي، فإذا تدهورت علاقتها بدولة ما طردت عمالها مثلما حدث بعد غزو الكويت بالنسبة إلى الفلسطينيين خاصة. ولهذا سنرى فيما يلي عملية تقلص العمال العرب في الخليج. وإذا كانت الدول الثلاث المحظوظ سكانها حيث يمثلون أقلية ثرية وسط بحر من الفقر العمالي الأجنبي، فإن ذلك لا ينطبق على الدول الخليجية الأخرى البحرين والسعودية وعمان، أما اليمن فهو خارج الجزيرة العربية سياسياً. إن مسألة الأفضلية القومية لا يجري الالتفات لها في الدول الخليجية فتغدو الجزيرة التي كانت عربيةً خالصةً ذات طابع أجنبي غير عربي متزايد. في دراسة للعمالة في دولة الإمارات المتحدة تبين أن عدد العمالة الأجنبية قد بلغ في القطاع الخاص بنهاية 2006 (194،2) مليون عامل أجنبي فتصل نسبتهم إلى 1،87 من العمالة الأجنبية العاملة في هذا القطاع، في حين يشكل العرب نسبة 10% فقط. ومن بين 276،32 ألفا من المديرين في القطاع الخاص يحوز المديرون الآسيويون 17،809 وظيفة في حين يبلغ عدد المديرين العرب 3،.381 ولم تؤد العلاقاتُ المتناميةُ بين البلدان العربية إلى زيادة العمال العرب في الخليج بل راحت تتراجع، يقول تقرير: (من جهة أخرى، أفاد تقريرُ المنظمة العالمية للهجرة أنه في الوقت الذي تزداد فيه نسبة العمال الأجانب في منطقة الخليج، لوحظ تراجع متواصل في نسبة العمال القادمين من بلدان عربية. وقد تراوحت هذه النسبة ما بين 75% من مجموع اليد العاملة الأجنبية في عام 1975 و31% في عام .1996 وإذا ما أخذنا بلداناً بعينها، فإن الفارقَ في النسبة للفترة نفسها يتراوح ما بين (22% و12%) بالنسبة إلى البحرين، وما بين (80% و33%) بالنسبة إلى الكويت، وما بين (16% و11%) بالنسبة إلى سلطنة عُـمـان، وما بين (33% و21%) بالنسبة إلى قطر، وما بين (19% و30%) بالنسبة إلى العربية السعودية، وما بين (26% و10%) بالنسبة إلى الإمارات العربية المتحدة)، محمد شريف، صحفي عربي في أوروبا، موقع إلكتروني). إن طبيعة تملك النفط السياسي الحكومي البيروقراطي ينعكس على تحديد أقسام العمالة بين يدوية ساحقة وإدارية محدودة، وعلى مصادرها القومية كذلك، فطبيعةُ هذه الملكية غير الصناعية المتجذرة في تربة الخليج، تستدعي نموَ الملكيات الخدمية ذات الدورات الرأسمالية السريعة، خاصةً في العقار والتوظيف المالي والتجارة، مما يترتبُ على ذلك تقلصُ العمالة الماهرة، وانتشار العمالة غير الماهرة، وهذا يفتحُ أبوابَ الأنشطة الهامشية الواسع، كما يحددُ مناطقَ جلبِ العمالةِ من الأرياف وهوامشِ المدن، ومن المناطقِ الرعوية، نظراً لتدني أجورها وضعفِ بنيتها الاجتماعية، فيمكن وضعها في مساكن سيئة ودفع أي أجور لها أو حتى عدم الدفع كما جرى مؤخراً وفجر أحداثاً، ويقود ذلك إلى آثارٍ اجتماعية وسياسية خطيرة كما سنرى لاحقاً. وكما أن آبارَ النفط استدعتْ الصناعات الكيميائية والمعدنية عبر (المساحيق) والطاقة، فكذلك فإن العمالة الموجهة لهذه الصناعات تـُجلب من هذه العمالة اليدوية، فيغدو أغلبُ النشاط الاقتصادي الخليجي يجري بمواد مستوردة وعمالة مستوردة وتـُرحلُ الفوائضُ كذلك إلى جهات بعيدة. كذلك فإن ما يُسمى مشروعات البنية التحتية، التي يتداخلُ فيها المالُ العامُ والمال الخاصُ، ويشيع الفسادُ منها، تغدو أكثر اعتماداً على هذه العمالة اليدوية المتخلفة، فيغدو الكسب متدفقاً من كل الأبواب. وإذا أضفنا أن المساكنَ هي الأخرى تخضعُ للفئات البيروقراطية نفسها فهي التي ملكتْ الأراضي وحولتها إلى فنادق وعمارات سكنية، وهي التي لديها الحقول وزرائبها، والبيوتُ القديمة التي لم تـُوضع في التداول بعد لأسبابٍ تجارية، والتي يتم فيها توظيف العمال بمختلف مستوياتهم حسب مكانتهم في العمل، وأجورهم، لتغدو الإيجارات جزءًا من عملية الاستغلال المتعددة الأشكال. وهكذا فإن عفريتَ النفط الخارجَ من المصباح الصدئ يقولُ لرب العمل السياسي التاجر المالك: (شبيك لبيك عبدك بين إيديك). إن الأعمال اليدوية والهامشية وعمل الخدمة المنزلية وغيرها تصير هي الأعمال المخصصة لأغلبية العمال الأجانب، نظراً لتدني أجورها، ولابتعاد المواطنين عنها في أغلبية البلدان.
 
صحيفة اخبار الخليج
15 سبتمبر 2008