المنشور

أمـلاك الدولة


وسط كثير من الانشغالات غير الجوهرية، التي انزلق إليها مجلس النواب، هناك لجنة تحقيق مُهمة أفلح المجلس في تشكيلها للنظر في أموال الدولة، وهي من لجان التحقيق القليلة، لا بل والنادرة، التي توجهت الوجهة الصحيحة، التي على المجلس أن يتوجه نحوها، في الاضطلاع بمهامه الرقابية، وفي التصدي لموضوع الفساد تحديداً، الذي لا يمكن مقاربته جدياً إلا بوضع الحدود الفاصلة بين الملكية العامة والملكية الخاصة. 
وحقٌ لمجلس النواب، وللمجتمع كله معرفة أين تبدأ الأملاك الخاصة وأين تنتهي، وبأية وسيلة آلت إليهم هذه الأملاك، إذا كانت في الأساس تُصنف، أو يجب أن تصنف في إطار أموال الدولة.
سمعتُ من عددٍ من النواب، بينهم أعضاء في كتلة الوفاق وبعضهم من كتل أخرى، شكوى مُرة من شح الجهات الرسمية المعنية في تقديم البيانات والمعلومات التي تطلبها لجان التحقيق التي يُشكلها مجلس النواب عامة، وليس لجنة التحقيق في أملاك الدولة وحدها، وهو أمر يضعف من فعالية هذه اللجان وربما يُعطلها من الناحية الفعلية، فما الجدوى المُنتظرة من مثل هذه اللجان إذا كانت لم تصل إلى مصادر المعلومة الأصلية المحجوبة عن الرأي العام وعن الصحافة، وما الذي تستطيع هذه اللجان أن تفعله إذا لم تُمسك بهذه المعلومة لتقارع الدولة بالحجج لا بالكلام والخطب.
وما نتمناه أن نسمع أصداء هذه الشكوى المُرة من تقاعس أجهزة السلطة التنفيذية في تقديم البيانات المطلوبة منها في جلسات المجلس بعد أن يستأنف عمله قريباً، فلا تعود هذه الشكوى مُقتصرة على الجلسات أو اللقاءات الجانبية. ونعبر عن هذه الأمنية من باب الرغبة في أن يسائل النواب الحكومة عن عدم تزويد النواب بما يريدونه من معطيات، هي حق لهم وضرورة ليؤدوا الأمانة التي ائتمنهم الناس عليها حين انتخبوهم في أن يكونوا رقيباً على أداء الحكومة، وحراساً على المال العام من باب التحقق من الأوجه التي يُصرف فيها هذا المال.
وعودة لأملاك الدولة التي نتطلع، آملين أن يكون تطلعنا في مكانه، بأن يكون النقاش حولها هو محور نشاط المجلس في دور انعقاده الثالث، ليس فقط تعويضاً عن الوقت الذي أُهدر خلال دوري الانعقاد السابقين فيما لا طائل وراءه، وإنما انسجاماً مع المسؤولية الأخلاقية الملقاة على عاتق النواب.
نقول ذلك ونحن نعلم أن الفخاخ منصوبة وستنصب للنواب لينصرفوا إلى ما عهدناهم عليه خلال دوري الانعقاد السابقين، وبعض ناصبي هذه الفخاخ هم من النواب أنفسهم، لكن مع ذلك سنترك مساحةً للأمل في أن النواب سيكونوا على قدر من الإحساس بالمسؤولية يجعلهم يتجنبون تلك الفخاخ.