المنشور

إدارة فاشلة وتغيير مسكوت عنه


 لا تُدار الدول بالتصريحات، وردود الأفعال، وسياسة «الباب اللي يجي منه الريح سدّه واستريح»، والتطبيق الانتقائي للقانون، وإنما تُدار الدول بالعمل المنهجي، وبتحديد الأهداف ووضع الخطط، ورسم السياسات، ومعالجة المشكلات، واتخاذ القرارات وتنفيذها، وتطبيق القانون…
وهذه ليست متطلبات تعجيزية، بل هي المتطلبات الأساسية والأولية لإدارة الدول… وهذا ما نفتقده بصورة فاضحة ليس في ظل الحكومة الحالية وحدها، وإنما في الحكومات المتعاقبة طوال ربع القرن الأخير!
فقد كشف التعامل الحكومي مع الإضرابات العمالية الأخيرة هذه الحقيقة المؤلمة… إذ ليست هناك بالأساس خطط ولا سياسات لاستقدام العمالة الأجنبية… كما تجاهلت الحكومة المشكلة أول الأمر إلى أن انفجرت بحيث لم يعد ممكناً تجاهلها، ثم تعاملت معها كمشكلة أمنية بحتة، بل لقد تمَّ اختصار المشكلة في حدود إضرابات العمال بينما جرى السكوت عن مسببات تلك الإضرابات، واكتفت الحكومة بملاحقة العمال المضربين وتسفير بعضهم، وأطلق المسؤولون بعض التصريحات الصحافية، ولم تتخذ إجراءات جادة تجاه الشركات المتسببة في المشكلة ولا ضد تجار الإقامات وهم معروفون، ولم يتم الكشف عن أسماء تلك الشركات ولا أسماء تجار الإقامات وهم معروفون، وأقصى ما تمَّ إقراره لم يتجاوز الإعلان عن ترتيبات لوضع حدّ متدنٍ لأجور العاملين في خدمات النظافة وشركات الحراسة والأمن لا يلبي أبسط المتطلبات المعيشية في ظل التضخم وارتفاع الأسعار!
وهذا يعني أنّ جذور المشكلة وأسبابها لم تعالج، وبالتالي فهي عرضة لأن تعود مرة أخرى.
والأمر ذاته ينطبق على مشكلة البدون، التي تنامت وتفاقمت جراء أسلوب التعامل الحكومي معها، فقد مارست السلطات منذ العام 1986 مختلف أشكال الضغط على البدون لإجبارهم على تعديل أوضاعهم أو مغادرة الكويت، وأطلق المسؤولون الحكوميون مئات التصريحات والوعود بحلّ مشكلة البدون، وتمّ التعامل مع المشكلة على أنها مشكلة أمنية بحتة، وجرى تجاهل أبعادها الإنسانية والاجتماعية، وها هي المشكلة قائمة بل متفاقمة!
والأمثلة كثيرة للقصور الحكومي الفاضح عن إدارة شؤون الدولة على نحو سليم، الذي بلغ درجة العجز المريع والفشل الذريع، ولم يخفف من عواقب هذا القصور والعجز ويستر سوءتهما سوى الوفرة المالية.
والمؤسف، بل الأخطر أنّ هناك ما يشبه التواطؤ الاجتماعي على القبول بهذا القصور والعجز على مستوى الإدارة السياسية للدولة والتعامل معه على أنّه أمر معتاد… وهو تواطؤ شاركت فيه معظم القوى السياسية والكتل النيابية، ووسائل الإعلام، ومؤسسات المجتمع المدني، حيث كانت تكتفي بانتقاد القشور والتركيز على الجزئيات والانشغال في التفاصيل، بينما تجنّبت عن عمد الحديث الصريح عن نهج الانفراد بالسلطة وما أوصل البلاد إليه، وسكتت عن تخلف وضعف الإدارة السياسية للدولة، ولعلّ أقصى ما فعلته “المعارضة”، التي لم تعد الآن معارضة، لم يتجاوز توجيه سهام نقدها اللاذع بالتصريحات وأدوات مساءلتها إلى بعض الوزراء مكشوفي الظهر ونحو عدد من وكلاء الوزارات من غير المحميين، بينما تعامت تماماً عن مركز القرار السياسي في البلاد، وفي أفضل الحالات اكتفت بالتلميح عن مسؤوليته دون التصريح بمساءلته.
ومادامت الحال كذلك فإنّ النهج الفاشل في إدارة الدولة سيستمر على ما هو عليه من دون تغيير يُذكر، فليس هناك حتى الآن مَنْ يدعو إلى هذا التغيير المستحق!
 
منقول عن جريدة عالم اليوم