المنشور

الطريق لتحرير الجزر الثلاث

لم يكن مستغرباً البتة أن يأتي رد فعل طهران على بيان وزراء خارجية مجلس التعاون الأخير في جدة، والذي أدان فيه قيام سلطات الاحتلال الإيراني في جزيرة أبوموسى العربية الإماراتية بفتح مكتبين إداريين، وطالبها بإزالة هذه الإنشاءات غير المشروعة واحترام سيادة الإمارات على أراضيها.. نقول لم يكن مستغرباً أن يأتي رد فعل طهران على هذه الإدانة سريعاً، وذلك تبعاً للعادة التي درجت عليها مع صدور كل بيان للمجلس على مختلف مستويات اجتماعاته بما في ذلك اجتماعات القمة.
لا بل ليس مستغرباً أن تتصاعد لهجة رد فعل سلطة الدولة المحتلة للجزر الإماراتية الثلاث الى درجة تنم عن الاستخفاف والتحدي والغطرسة، وذلك كما جاء على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية حسن قشقاوي مؤكدا أن هذه الجزر «تعتبر ملكاً أبدياً للجمهورية الإسلامية الإيرانية« وان ما أسماه بادعاءات الإمارات ومجلس التعاون بتبعية الجزر للإمارات «مزاعم مكررة لا أساس لها من الصحة.. وان الإجراءات كافة التي تتخذها إيران في جزيرة أبوموسى شرعية تتطابق مع حقوق إيران في هذه الجزيرة الإيرانية، وان طرح قضايا بهذا الصدد في بيان وزراء خارجية مجلس تعاون الخليج الفارسي، يعتبر تدخلاً سافراً في شئون إيران الداخلية«. فمادامت مواقف وتحرك الدولة المحتلة جزرها ومجلس التعاون منذ نحو عقدين مقتصرة على تكرار إصدار بيانات الشجب والاستنكار الإنشائية الملطفة، واجترار الدعوة الى الحوار أو رفع القضية إلى محكمة العدل الدولية دونما تطوير لهذه المواقف باستخدام وتوظيف أوراق ضغط سلمية سياسية ودبلوماسية واقتصادية ولا نقول عسكرية، والعياذ بالله، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فيجب أن نتوقع ألا تكتفي طهران فقط بهذه الردود الاستفزازية المتغطرسة أو تجديد الافتراء بحقوقها التاريخية والسيادية المشروعة في الجزر الإماراتية الثلاث، بل إمعانها الدؤوب في الإجراءات غير المشروعة على هذه الجزر لتكريس الأمر الواقع، وليتحول الاحتلال الإيراني بذلك في الجزر العربية الإماراتية الثلاث مع تقادم الزمن الى جزر إيرانية فارسية بحكم الأمر الواقع، مثلها في ذلك مثل عربستان التي قضمتها إيران نفسها، ومثل سبتة ومليلة المغربيتين، ومثل لواء الاسكندرون السوري، والأهم من كل ذلك مثل ضياع فلسطين العربية التي اغتصبتها العصابات الصهيونية بدعم من بريطانيا والغرب. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا الى متى سيظل موقف الدولة المحتلة جزرها الثلاث ودول مجلس التعاون مقتصراً على اجترار نفس عبارات الأسف لما تقوم به سلطات الاحتلال الإيرانية من إجراءات تنتهك من خلالها الحق المشروع لسيادة الإمارات على الجزر الثلاث والمطالبة بفتح حوار وتفاوض أو رفع القضية الى محكمة العدل الدولية وذلك بالرغم من مضي 20 عاما على اجترار وتكرار ذات وجوهر العبارات ومضامينها وإن بصيغ لغوية مختلفة في كل بيانات ومواقف الدولة المحتلة جزرها، وفي كل بيانات ومواقف مجلس التعاون أيضاً؟ لقد وصلت لغة الغطرسة الاستفزازية في رد الفعل الإيراني الى درجة ان تشذ عن كل المجتمع الدولي بتحريف تسمية المسمى الرسمي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، كمنظمة إقليمية دولية مشروعة، الى تسميته بـ «مجلس تعاون الخليج الفارسي« كما جاء على لسان الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية في الفقرة المتقدم ذكرها، هذا بالرغم من ان دول الخليج العربية عند تأسيسها مجلس التعاون فإنها مراعاة لمشاعر طهران واتقاء غضبها لم تسم المجلس بـ «مجلس التعاون لدول الخليج العربي« مثلا، كما حرصت على مراعاة مشاعرها القومية حتى في تسمية الكثير من مؤسساتها من دون نعتها «الخليج« بـ «العربي« مثل «وكالة أنباء الخليج« وصحيفة «الخليج« و«أخبار الخليج«، و«طيران الخليج«، وغيرها من المؤسسات الكثيرة، في حين تمعن إيران على نحو دؤوب ومتعمد بعدم ذكر أي تسميات للمؤسسات الإيرانية وفي الإعلام الإيراني للخليج دونما نعته بـ «الفارسي«. فأينما وردت شاردة أو واردة لذكر «الخليج« جاء منعوتاً مضافاً إليه بـ «الفارسي« استدعى الأمر ذلك أم لم يستدع. والغريب ان طهران إذ تصر على هذه اللغة الاستفزازية المتغطرسة مع جيرانها حمائم مجلس التعاون تفعل ذلك وهي تواجه تحديات أمنية بالغة الخطورة فيما يتعلق بالملف النووي مع الولايات المتحدة وإسرائيل ومع المجتمع الدولي ووكالة الطاقة الذرية. والغريب في المقابل انه بينما تفعل طهران كل ذلك في الجزر المحتلة ثمة بعض الأطراف الخليجية من يحاول دعوة رئيسها الى القمة الخليجية القادمة حتى بالرغم مما أحدثته لغة خطابه الوعظية المتعالية في القمة الماضية بالدوحة من صدمة لشعوب مجلس التعاون والتي كان من ضمنها إمعانه في تكرار تسمية الخليج بـ «الفارسي« في خطابه ثلاث مرات أمام مسامع ومرأى أقطاب القمة الحاضرين دونما حاجة لذلك. وتهربه كذلك من طرح أي مبادرة عملية لفتح صفحة جديدة مع دول المجلس تنهي كل الإشكاليات التي تحول دون تطوير العلاقات مع هذه الدول، وتعطي تطمينات حول نواياها النووية السلمية، بالتعاون الكامل مع الوكالة الدولية والمجتمع الدولي. وما لم تقم الدولة المحتلة جزرها ودول مجلس التعاون بإطلاق واستنهاض طاقات شعوبهم لممارسة كل الضغوط الممكنة من خلال قواها السياسية ومؤسسات مجتمعها المدني لما تملكه هذه القوى والمؤسسات من أوراق ضغط من خلال شبكة علاقاتها الدولية، وبالتضافر مع تطوير المواقف الرسمية للدولة المحتلة جزرها ودول المجلس معاً، فلن تتحرر الجزر الثلاث من الاحتلال الإيراني وستبقى قضيتها معلقة الى الأبد، بل ستصبح في ذمة التاريخ، حالها حال كل الأقاليم والأراضي العربية التي قضمتها كل قوى ودول البغي والعدوان والاستعمار العالمي.
 
صحيفة اخبار الخليج
8 سبتمبر 2008