المنشور

يوجد خيار آخر

بعد نحو عقد ونصف العقد من سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفييتي،‮ ‬فإن أفكار العدالة الاجتماعية والبحث عن خيار آخر للعالم تعود لتطرح نفسها بقوة،‮ ‬حتى تلك القطاعات من الناس التي‮ ‬صدقت أن هذه الأفكار باتت من الماضي‮ ‬ولن تقوم لها قائمة بعد اليوم،‮ ‬وانطلى عليها وهْمُ‮ ‬أن العولمة ستعمم الديمقراطية والرفاه في‮ ‬العالم،‮ ‬بدأت تدرك وبالمعاينة الميدانية زيف ذلك‮.‬ كان لـ ‮٠٢‬٪‮ ‬من سكان العالم الذين‮ ‬يعيشون في‮ ‬البلدان الأكثر‮ ‬غنى دخل‮ ‬يفوق بثلاثين مرة دخل الـ ‮٠٢‬٪‮ ‬الأكثر فقرا عام ‮٢٦٩١‬،‮ ‬اتسعت هذه الهوة لتصبح في‮ ‬نهاية التسعينات اثنتين وثمانين مرة،‮ ‬والأرقام تترى،‮ ‬فدخل الفرد في‮ ‬أكثر من سبعين دولة من دول العالم هو دون ما كان عليه قبل عشرين سنة،‮ ‬وفي‮ ‬العالم قرابة ثلاثة مليارات من البشر أي‮ ‬نصف البشرية بالتمام والكمال،‮ ‬أو بالتقريب إن شئنا،‮ ‬يعيشون بدخل‮ ‬يقل عن دولار واحد في‮ ‬اليوم‮.‬ يحدث كل هذا في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬وصلت فيه وفرة السلع إلى مستويات لا سابق لها،‮ ‬والحبوب الغذائية لم تتوافر أبدا كما الحال الآن‮. ‬المشكلة تكمن في‮ ‬التوزيع‮ ‬غير العادل للثروات الذي‮ ‬من جرائه‮ ‬يموت كل سنة ثلاثون مليون شخص بسبب الجوع،‮ ‬ويعاني‮ ‬ثمانمائة مليون آخرين من سوء تغذية دائم،‮ ‬ومن مجموع أربعة مليارات ونصف مليار نسمة هم سكان الدول النامية،‮ ‬فان قرابة الثلث لا‮ ‬يشربون مياهاً‮ ‬صالحة للشرب،‮ ‬وان أكثر من مليار شخص،‮ ‬يعانون من سوء التغذية‮.‬ بعض الدراسات تقول انه‮ ‬يكفي‮ ‬اقتطاع أقل من ‮٤ ‬٪‮ ‬من الثروة المتراكمة لما لا‮ ‬يزيد على ‮٥٢٢ ‬رجلا فقط هم أثرى أثرياء العالم،‮ ‬للوصول إلى تلبية حاجات كل العالم في‮ ‬الصحة والتعليم والغذاء،‮ ‬والتي‮ ‬لا تزيد كلفتها على ثلاثة عشر مليار دولار،‮ ‬أي‮ ‬بالكاد ما‮ ‬يصرفه سكان الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي‮ ‬سنويا على شراء العطور‮.‬ ‮ ‬إن بدا أن ذلك‮ ‬يعني‮ ‬في‮ ‬الظاهر إخضاع العالم،‮ ‬فإنه في‮ ‬الجوهر‮ ‬يستنهض قوى عديدة على مدار الكوكب لن ترضى بأن‮ ‬يقاد العالم نحو هذا الخيار المدمر للبشرية وللبيئة،‮ ‬نتيجة استشراء نفوذ ما بات‮ ‬يدعى‮ »‬الليبرالية الجديدة‮« ‬التي‮ ‬تستعير من الرأسمالية،‮ ‬أدواتها القديمة القائمة على تسييد مبدأ الربحية كحاكم أوحد،‮ ‬وتعيد النظر في‮ ‬الضمانات الاجتماعية والمكتسبات التي‮ ‬نالتها الفئات الكادحة في‮ ‬صراعها المديد مع أصحاب رؤوس الأموال،‮ ‬وتطال إعادة النظر هذه حقولاً‮ ‬مهمة كالتعليم والصحة والإعانات المعيشية والاجتماعية والخدمات الثقافية والترفيهية وإلغاء الدعم على الأسعار وتجميد الأجور وتحرير التجارة الخارجية وبيع القطاع العام‮.  ‬ ما‮ ‬يجري‮ ‬في‮ ‬القارة الأمريكية اللاتينية‮ ‬يقدم مثالاً‮ ‬عن طبيعة التحولات الدائرة في‮ ‬هذا الكوكب علينا تأمله ملياً،‮ ‬ففي‮ ‬الوقت الذي‮ ‬يعتبر البعض عندنا أن الهيمنة الأمريكية أمراً‮ ‬لا راد له،‮ ‬تعطي‮ ‬أمريكا اللاتينية،‮ ‬وعلى بعد أميال ليست كثيرة من الولايات المتحدة،‮ ‬انه‮ ‬يوجد خيار آخر‮.‬
 
صحيفة الايام
8 سبتمبر 2008