المنشور

علاوة الغلاء.. غير إلكترونية!

أثخنوا آذاننا بـ «الحكومة الإلكترونية».. فصدقنا! ولمَ لا نصدق؟! فإنهم يوم الاستقطاع 1% لصالح القانون ضد التعطل، رصدت هذه الحكومة حتى دبيب النمل وتحركاته، وما جمعه في الصيف ليأكله في الشتاء، ولم يستثنوا أي كائن كان.. فكان ما كان، ولم يبق بحريني واحد يعمل، إلا والحاسوب يعرف كم راتبه، وأين يشتغل، والنسبة بالضبط المستحقة للاستقطاع «الاشتراكي» وفق المبدأ القائل: «الواحد للكل.. والكل للواحد»، فكانت المسألة ببساطة هكذا: الأجهزة الإلكترونية، دخلت المؤسسات والشركات الرسمية والخاصة والبنوك، وكذا الوزارات، وهيئة التأمينات الاجتماعية والتقاعد، فعرفت أسرار كل العاملين أكثر من معرفة العاملين أنفسهم عن أنفسهم، وتم الاستقطاع الفوري على طريقة «من كل حسب طاقته، ولكل حسب عمله» تماشياً ما يطلبه الاشتراكيون لبناء نظامهم، لكن الحكومة الإلكترونية، وكأن أجهزتها تعطلت فوراً «بفعل فاعل» في موضوع «علاوة الغلاء»، التي لا تتجاوز خمسين ديناراً في كل شهر قبل 8 أشهر ولمدة عام فقط»، فأصبح يوجد لدينا مركز واحد للتظلم، وعلى المواطن، أن يذهب باكراً ليقف في طابور يتسع للبحرين كلها مصطحباً معه أوراق ثبوتية (رصيد للراتب من المؤسسة التي يعمل بها، عقد زواج، بطاقات سكانية للأولاد والزوجة، رقم حساب مصرفي.. إلى آخره) ومع كل ذلك، ربما يقبل تظلمه، وربما يرفض، و«على المتضرر اللجوء إلى القضاء»، مصطحباً محامياً للدفاع عنه مرفق بأتعابه، أو يموت حسرة، وإنْ شاء، يشهر عدم حصوله على «علاوة الغلاء» عند أول «سوبرماكت» يدخل إليها لتبضع احتياجاته الضرورية، ويا حسرتاه، لأنه لا يملك هذه «الشهادة»، وإن ملكها، وهذا مستحيل، فإنها لا تصرف في البنك مثل «الشيك من دون رصيد»، ويمكن أن يسخر منه أصغر بائع آسيوي في برادة صغيرة.



في البدء، كان ضجيج «معونة الشتاء» بنشر أسماء المستحقين لهذه العلاوة، تلاها ضجيج أرقام المستحقين الشخصية المنشورة في الصحف المحلية ليخبروا العالم كله أنهم لا يبخلون على مواطنيهم في المساعدة لكبح كابح الغلاء، الذي هو في الأصل «ظاهرة عالمية»، ولا دخل لهم فيه، فتحدثوا عن زيادات للعاملين في القطاع الحكومي فقط، أما القطاع الخاص، فلا حول لهم ولا طول، فهم مواطنون درجة ثالثة، والغلاء لا يعنيهم من قريب أو بعيد، فرواتبهم ” رواتب إنجليز “، يكفيهم ويزيد، و«البطر شين»، خصوصاً عند العاطلين عن العمل، الذين أصبحوا بقدرة الظروف «كلهم تجار» ولديهم سجلات تجارية منخفضة الثمن (عشرين ديناراً لفتح سجل تجاري – يا محلى الرخص!)، ولأنهم لا يفهمون في الدورة الاقتصادية: «نقود، سلعة، نقود» تهافتوا على الاقتناء بالسجلات التجارية من دون امتلاك النقود لتحرك تجارتهم، فقضوا على البطالة بأيديهم في سجلات أرقام العاطلين الرسمية.. وظلوا عاطلين، والأنكى، حرموا من «علاوة الغلاء» تحت ذريعة امتلاكهم «سجلات تجارية!» لا تغني ولا تسمن من جوع.



جل الدول الخليجية ضاعفت رواتب العاملين في القطاعين، العام والخاص، وأعطت علاوات الغلاء لجميع الأسر مرات عدة هذا العام من دون ضجة ولا مزايدة، إلا عندنا في البحرين، لأنها تبدو «غير وغير»، فالمحتاج هنا، يجب أن يأكل لقمته «مغمسة بالذل» ليقف ساعات في عز الصيف، فيصببه العرق، ويصاب بضربة شمس أو” لِزغ “، وذلك ليتظلم على شيء يستحقه ولو بعد حين؟!



تُرى، لماذا هذه اللفة الطويلة والعريضة، ولدينا حكومة إلكترونية تعرف الواجب إتباعه ونحن في الشهر التاسع المليء بالمصروفات: افتتاح مدارس، رمضان، وعيد، وحتماً أقساط ديون وتسجيل سيارات، ودفع فواتير وإيجارات.. إلى آخره من المصروفات اليومية العادية؟!




الوقت 7 سبتمبر 2008