المنشور

السلام أهم من التعصب القومي

حين تحاول القيادة الإيرانية جر المنطقة إلى سباق تسلح محفوف بكل أنواع المخاطر فيه تجني على شعبها وشعب الخليج المسالم. قيادات إيران موجودة في مناطق بعيدة عن الخليج في طهران وقم، وهما منطقتان نائيتنان، فتعرف أنها بعيدة شخصياً عن الأخطار، فلا تفكر في الشعوب التي تقحمها في مغامراتها الخطرة. إن المسألة هنا ليست مذهبية ولا قومية بل مسألة حياة وموت، فمن الممكن أن تؤيد حماس الحاكمة في غزة مثل هذه السياسة الإيرانية، لكونها قد ارتبطت بسياسة الحرب والمواجهة، والتنافس المرضي مع فتح، لكن أي مصلحة لتنظيمات خليجية في مثل هذه السياسة الهوجاء للحكومة الإيرانية؟ وبطبيعة الحال رفضت معظم التنظيمات السنية – المتفقة مع حماس في المذهب المختلفة معها في التوجه السياسي – مثل هذه السياسة الإيرانية فهي تدرك خطورة مثل هذه السياسة على سلامة الحياة البشرية، وهي أكثر المقومات التي أكدها الإسلام أكثر من أي دين آخر في هذا المجال.
قادة إيران وقادة حماس وقادة متطرفون آخرون بعيدون عن خندق النار الذي تؤججه السياسة الإيرانية النووية، وهو خطٌ حصل على تأييد أو تجاهل من قادة روسيا كذلك، الذين صار وعيهم لا يختلف عن وعي قادة طهران وحماس ودمشق، حيث التعصب القومي والمذهبي وإعلاء شأن الأمة(أي الدولة الجامدة الدكتاتورية) حتى لو كانت بسياسة حافة الحرب أو بالسياسة الفاشية التي صارت هذه القوى تقتربُ منها. فلينظر القادة الكبار إلى شأن منطقة الخليج وشعبها المحاصر على الضفاف البحرية في شريط ضيق، مليء بمعامل التكرير ومصانع البتروكيماويات والطاقة المختلفة، فإن أي إطلاق نار في هذه المنطقة معناه صنع الجحيم.
ربما ثمة أحقاد ” دفينة “. ربما ثمة حسد من مستوى المعيشة.  وبالتأكيد هناك سياسة المغامرة التي فشلت في تغيير معيشة الشعب السيئة وتريد أن تزايد على قضية فلسطين كالعادة السخيفة التي عرفها العرب كثيراً إلا هؤلاء الذين يعلقون المشجب الفلسطيني في كل مجزرة يرتكبونها. وقد عبرت أصواتٌ نادرة في التنظيمات الشيعية عن وقوفها في جبهة السلام ورفض شن الحروب واعربت عن خطورة البرنامج النووي الإيراني. أصواتٌ نادرة كأن القنابل والنيران سوف تفرق بين حي وحي، أو أن النار ستعرف الابتعاد عن منزل هذا أو ذاك. وهي سياسة كما فعل النظام العراقي السابق الذي كان يجر المنطقة لمشكلات خطيرة وكارثية، ويبدو ان النظام الإيراني العاجز عن الديمقراطية وتحقيق التقدم المعيشي لشعبه، يكررها الآن في سياسة الهروب إلى الامام وقيادة المنطقة إلى حافة الهاوية لكن لا يعتقد هذا النظام ان قوى الغرب عاجزة وقد فكر في ذلك دكتاتور العراق وظن أن الغرب غير قادر على وضع حد لنظامه، فكان سوء تقدير كبيرا.
وحتى لو حاول القادة الإيرانيون التمسح بالقيادة الروسية فإنها سوف تخذلهم وتفضل مصالحها القومية وتتركهم للسباع يأكلونهم، كما فعلت مع قيادة العراق التي نزلت إلى حضيض الأرض الذي لم ينقذها.
إن التحدي هو في إتباع خيار الصين التي طورت بلدها ونأت عن سياسة الحروب، لقد حركت كل فرد من بلدها، وغزت الأسواق الغربية بسلعها وطورت تقنيتها السلمية ولم تهدد جيرانها وحتى المناطق التي كانت لها رفضت استخدام السلاح في استعادتها ورجعت هذه باختيار أهلها وبفضل السلع وليس الصواريخ. فليس هناك ما يمنع علو شأن الفرس أو الروس أو العرب لكن عليهم أن يتبعوا سبل السلام، والتجارة والصناعة، والثقافة، أما سياسة التهديدات والسلاح فهي تعود وبالاً عليهم وتجعلهم يتراجعون ويتخلفون. وكم أكسبت سياسة إيران السلمية وتجارتها مع دول الخليج المنطقة والسلام فيها، وكم عادت بفوائد على الجانبين وأبعدت أشباح التسلط والعداء القومي! لكن سياسة التسلح النووية والتهديدات دمرت كل ذلك، ووضعت المنطقة الخليجية على حافة بركان. 

أخبار الخليج 6 سبتمبر 2008