المنشور

هل تتناحر الشعوب لمجرد وجود الفوارق القومية والدينية فيما بينها

تتداول بين عامة الناس ومنذ القدم بعض الانطباعات السلبية والأحكام المسبقة حول طباع بعض الشعوب وتصرفاتها. ولحد ما، يمكن فهم وتقبل هذه الأفكار إذ إنها نتاج تفاعل هذه الشعوب مع بعضها البعض وتكوين هذه الثقافات لديها. ولا زلنا نعتقد بأنها خصائص مختلفة تنفرد بها شعوب دون أخرى ولا يمكن أن يكون غير ذلك نظرا لاختلاف الظروف المناخية والمعيشية، كالفرق ما بين المجتمعات الريفية والمدنية وتأثير قسوة الحياة وما إلى ذلك من موروثات اجتماعية وتاريخية وعقائدية.
فتلك الأمور كانت على مر العصور تتفاعل بشكل طبيعي ولكن تستغل أحيانا لتأخذ منحى عدواني وعنصري بل حتى دموي، وهو ما أدى إلى مجازر تكون نتائجها إبادة أمة كاملة كما حدث على سبيل المثال للأرمن من قبل الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى سنة 1915.
ودون الخوض في الأسباب التاريخية لتلك الحروب الاستعمارية والمجازر العدوانية والتي نحن لسنا بصددها هنا، يمكن الجزم بان تلك الحروب والمجازر لم تكن أبدا نتاج تلك الاختلافات في خصال الشعوب. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، إذا لم تكن الخصائص العدوانية للشعوب سببا في إشعال فتيل الحروب، فما هي الأسباب المؤدية إلى ذلك؟
للإجابة على هذا السؤال يمكن سرد ما يلي:  

  1. الحروب الهندية الباكستانية، سنوات 1947، 1965، 1971، 1999 والتي ذهب ضحيتها الملايين من البشر ناهيك عن التأخير الجسيم للتنمية في كلا البلدين. عامة، يوصم الشعب الباكستاني “بالعدوانية “! ولكن متى كانت خصائص الشعوب سببا لحروب طاحنة تؤدى إلى تفكك الدول كما حدث لانفصال بنغلادش عن البلد الأم باكستان، لولا تدخل الدول الامبريالية والاستعمارية والطغم العسكرية الحاكمة في باكستان ومخططاتها لتأجيج النعرات الطائفية والمذهبية بين المسلمين و الهندوس لديمومة حكمها. 
  2. الحرب البوسنية/هيرزيكوفينة سنوات 1992 و 1995 كيف عاشت هذه الشعوب قرابة 70 سنة ضمن دولة يوغوسلافيا الفدرالية في ظل نظام شبه اشتراكي مع العلم أن المسيحيين الارثودوكس والمسلمين عاشو جنبا إلى جنب دون أية مشاكل تذكر، ويعود السبب آنذاك هو احترام ومساواة الدولة لجميع الطوائف والقوميات. في ظل هكذا أنظمة يشعر الفرد كما تشعر الجماعة بالأمن والأمان ولا يحتاج إلى أية حماية ما دامت الدولة تقيم مبدأ المساواة بين جميع الفئات. إذا نستطيع القول أن أسباب تلك الحروب هي تدخل الدول الغربية الاستعمارية واستغلالها الفوارق العرقية وتأجيجها، لتفكيك الدولة اليوغوسلافية كتسلسل لتفكيك الدول الاشتراكية وذلك للانقضاض على ما تبقى من نفوذ الاتحاد السوفيتي ضمن إستراتيجية أمريكا العدوانية الكونية ذات القطب الواحد.
  3. الحرب العراقية الإيرانية سنوات 1980 إلى 1988 التي أشعلتها القوى الغربية الاستعمارية لإعادة الهيمنة على مقدرات شعوب المنطقة تحت ذرائع واهية وشوفينية لجعل شعوب المنطقة تتقاتل على حرب مدمرة راحت ضحيتها أعداد لا تحصى من البشر من كلا الطرفين. وكانت أبواق الدعاية الاستعمارية والرجعية تؤجج المشاعر القومية والشوفينية لكل الطرفين بينما عاشت هذه الشعوب ردحا من الزمن دون الحاجة لتلك الحروب المدمرة.

إذا يمكن القول أن الشعوب مهما اختلفت ثقافاتها وتنوعها العرقي والمذهبي لا يمكن لها أن تشن الحروب وتستولي على الأقاليم المجاورة لها إلا إذا كانت القوى الحاكمة ترى في ذلك مخرجا لها من أزماتها الخانقة أو من قبل تدخل القوى الاستعمارية للاستيلاء على خيرات ومقدرات الشعوب أو لإعادة نهب تلك الثروات كما حدث للعراق، ودائما ما تكون الشعوب هي من تدفع الثمن غاليا. 
لذا يجب عدم السماح أو إفساح المجال لأية بادرة من شانها أن تؤجج النعرات الطائفية أو العنصرية أو المذهبية أو القومية بين الجماهير. وليس خافيا على احد ما حدث مؤخرا من ارتفاع وتيرة التجاذب الطائفي التي أخذت في الاستفحال، حيث إنها ستكون مجالا خصبا لتلك القوى التي لا تكف عن محاولة وقف عجلة العملية الإصلاحية التي وان شابها بعض السلبيات إلا أنها مازالت تعتبر متقدمة ويجب الحفاظ على مكتسباتها لان البديل لن يكون إلا الأسوء في الوقت الحالي على اقل تقدير، وكذلك سوف تكون على حساب تحقيق المطالب المعيشية للجماهير الكادحة التي بدلا من حشدها لأجل نيل حقوقها والمضي قدما لترسيخ المجتمع المدني، يتم جرها للتناحر حول قضايا ومسائل تخدم أجندة القوى الظلامية والمعادية لطموحات وتطلعات جماهير شعبنا العظيم.

خاص بالتقدمي