المنشور

حول التيار الديمقراطي‮ – 4


على ضوء ما تحدثنا عنه في الحلقات السابقة تنطرح مسألة اللقاء بين أطراف التيار الديمقراطي في البلاد، بصرف النظر عن الصيغة التي سيتخذها شكل هذا اللقاء، كونها تعبر عن حاجة موضوعية من حاجات الاستجابة لاستحقاقات الوضع الراهن في البحرين، لأنه ليس بوسع قوة واحدة منفردة من قوى هذا التيار أن تتصدى لهذه الاستحقاقات، فضلاً عن أن المنافسة والمزاحمة بين هذه الأطراف تعود بالضرر على الجميع، في المحصلة النهائية، حتى لو بدا، ظاهراً أنها تحقق مكسباً عرضياً وآنياً لهذا الطرف أو ذاك. يضاف إلى ذلك أن هذا اللقاء ينسجم مع منطق الأشياء، لأنه، في حال تمّ، سيعبر عن درجة من الهارموني السياسي والفكري وفي البرامج والرؤى الاجتماعية، غير متوفرة في صيغ تنسيق أو تحالف أخرى مع تكوينات سياسية ذات منحى فكري – اجتماعي مغاير، حتى لو بدا أننا نلتقي معها في بعض الأمور، خاصة إذا توفرت هذه التكوينات على قوة جماهيرية طاغية، في الفضاء الذي تعبر عنه، مما ينطوي على مخاطر الاستتباع لهذه القوى، حتى دون أن نعي لذلك، وتجربة التحالفات في العديد من البلدان دلت على أن وجود طرف يملك قوة حاسمة في هذا التحالف يجعل الأطراف الأصغر فيه محكومة بإيقاع هذا الطرف القوي.
  لكن دعوتنا للقاء أطراف التيار الديمقراطي، والتي عبرنا عنها مراراً وتكراراً في مناسبات عدة، يجب ألا تُحاط بهالة رومانسية وعاطفية، بحيث تحجب المعوقات التي ستواجه مثل هذا اللقاء. في كلمة المنبر التقدمي التي ألقيتها في المؤتمر الرابع لجمعية العمل الوطني الديمقراطي أشرت إلى بعض هذه المعوقات، ومن بينها الحساسيات التي تراكمت عبر عقود بين أعضاء التنظيمين، والتي نشأت عنها حالاً من سوء الفهم المتبادل، وأحياناً ضعف الثقة، ومن بينها اختلاف التقديرات حول الوضع السياسي ومستجداته، وهي مسألة طبيعية، فإننا إزاء واقع مركب ومعقد يمكن أن يكون مثار قراءات مختلفة داخل التنظيم الواحد، فما بالنا بتنظيمين أو أكثر. لكني أشرت إلى أن هذا كله يمكن تذليله، لكي لا يكون معوقاً للقاء، إذا ما وزنا خطواتنا المشتركة، بحيث تكون متأنية وتدريجية تنطلق من الأصغر والأبسط لا لكي تقف عنده، وإنما لتنطلق منه نحو ما هو أعلى وأكبر، والدخول في أعمال مشتركة وصيغ تنسيق ميدانية في حقول العمل الجماهيري ومؤسسات المجتمع المدني وما إلى ذلك، بما يساعد على خلق أجواء التقارب والتفاهم بين أعضاء التيارات الديمقراطية المختلفة.
وإذا كنا نولي عناية خاصة للقاء بين “التقدمي” و”وعد”، انطلاقاً من مكانتهما التاريخية والسياسية والجماهيرية، فإننا نرى في ذلك منطلقاً للقاءات تشمل بقية مكونات التيار الوطني الديمقراطي، وخاصة الأخوة في “التجمع القومي” و”الوسط العربي”، والشخصيات الوطنية والديمقراطية المستقلة المعنية بوحدة هذا التيار، والتي نُعول كثيراً على دورها في الدفع بالأمور في اتجاه ايجابي، سعياً لأن يكون لدينا بديل لحال التشرذم الطائفي وللبرامج المحافظة التي تقدمها القوى المهيمنة على المؤسسة البرلمانية والتي ينعكس أداؤها السيئ على المجتمع في صورة احتقان مذهبي يُصرف النظر عن مهام البناء الديمقراطي الحقيقية.
 
27 أغسطس 2008