المنشور

حول التيار الديمقراطي‮ (٣)‬

ضمن اللوحة أو الخريطة السياسية‮ – ‬الاجتماعية في‮ ‬البحرين الحديثة،‮ ‬فإن ما اصطلحنا على تسميته بالتيار الوطني‮ – ‬التقدمي‮ ‬يشكل محوراً‮ ‬من محاور النشاط السياسي،‮ ‬لا بل والاجتماعي‮ – ‬الثقافي‮ ‬الذي‮ ‬طبع المجتمع منذ منتصف القرن الماضي‮. ‬ولا‮ ‬يمكن دراسة التحولات التي‮ ‬شهدها هذا المجتمع على الأصعدة شتى دون التوقف أمام الدور الذي‮ ‬لعبه هذا التيار الذي‮ ‬عمل على استقلال البحرين وتطورها الديمقراطي‮ ‬وتحديث البنى الاجتماعية والسياسية،‮ ‬ويمكن تلمس انعكاسات مثل هذا الدور في‮ ‬حقول الإبداع المختلفة،‮ ‬في‮ ‬الآداب والفنون والثقافة عامة‮. ‬
‮ ‬وإلى الرموز الثقافية والإبداعية وثيقة الصلة بهذا التيار أو التي‮ ‬تلقت خبراتها الأولى في‮ ‬صفوفه،‮ ‬يعود الفضل في‮ ‬السمعة الطيبة التي‮ ‬تتبوأها البحرين اليوم على الصعيد الثقافي‮ ‬والإبداعي،‮ ‬خليجياً‮ ‬وعربياً‮ ‬وحتى عالمياً‮.‬
على أن أهم ما‮ ‬يميز هذا التيار هو‮ »‬لا طائفيته‮«‬،‮ ‬فالخطاب الذي‮ ‬بلوره هذا التيار على مدار أكثر من نصف قرن ساهم في‮ ‬شد لحمة النسيج الوطني‮ ‬في‮ ‬البحرين،‮ ‬أنه خطاب انحاز للوطن وللشعب بكامله مغلباً‮ ‬الوعي‮ ‬الاجتماعي‮ ‬الجديد على أشكال الوعي‮ ‬السابقة،‮ ‬التي‮ ‬تغلب خطاب الطائفة على الخطاب الوطني‮ ‬العام أو المشترك‮. ‬
وفي‮ ‬الوقت الذي‮ ‬لم تستطع أشكال الخطاب الأخرى،‮ ‬حتى تلك التي‮ ‬نشطت في‮ ‬العقد أو العقدين الماضيين،‮ ‬أن تتخطى الإطار الطائفي،‮ ‬فإن هذا التيار ظل‮ ‬يعكس في‮ ‬قوامه صورة البحرين كبلد وكشعب فيه من التعدد والتنوع الذي‮ ‬يحتويه نسيج وطني‮ ‬عام،‮ ‬ولم‮ ‬يقع هذا التيار للحظة في‮ ‬الالتباسات الطائفية والمناطقية‮.‬
ثم أن المشروع أو البرنامج الذي‮ ‬عمل هذا التيار في‮ ‬سبيله مشروع تحديثي،‮ ‬فهو صاغ‮ ‬خطاً‮ ‬يدعو لتحديث بنى المجتمع والفكر ما‮ ‬يتلاءم وروح العصر،‮ ‬ولم‮ ‬يتردد في‮ ‬مواجهة ما‮ ‬يظنه عائقاً‮ ‬أمام شق طريق التحديث للبلاد،‮ ‬وكان عليه في‮ ‬أحوال كثيرة أن‮ ‬يصطدم بمعوقات كثيرة ويقدم تضحيات ويتعرض لحملات تشهير من هنا وهناك‮.. ‬
رغم ذلك فإن كثيراً‮ ‬من تصورات هذا التيار التي‮ ‬كانت في‮ ‬وقت لاحق تسبب جدلاً‮ ‬ومعارضة باتت اليوم إحدى مسلمات المجتمع والدولة،‮ ‬وأشير هنا خاصة إلى دور المرأة وإدماجها في‮ ‬المجتمع وفي‮ ‬المشاركة السياسية الكاملة‮. ‬والإنصاف‮ ‬يقتضي‮ ‬القول أن ما بلغته المرأة البحرينية هو حصيلة تحول عميق في‮ ‬وعي‮ ‬المجتمع كله بفضل مثابرة المرأة نفسها وبفضل خدمات التعليم والصحة وسواها،‮ ‬وأخيراً‮ ‬بفضل المشروع الإصلاحي‮ ‬الذي‮ ‬ضمن المشاركة السياسية للمرأة‮.‬
‮ ‬لكن‮ ‬يظل أن الدور الذي‮ ‬اضطلع به التيار الوطني‮ ‬التقدمي‮ ‬في‮ ‬الدفاع عن حقوق المرأة وفي‮ ‬إشراكها في‮ ‬الحياة السياسية والنشاط المجتمعي‮ ‬دور مهم،‮ ‬خاصة من خلال قنوات العمل الجماهيري‮ ‬كروابط واتحادات الطلبة والجمعيات النسائية والأهلية الأخرى‮.‬
هذا التيار الذي‮ ‬يشكل‮ – ‬كما بدأنا‮ – ‬محوراً‮ ‬من محاور النشاط السياسي‮ ‬لا بل والاجتماعي‮ – ‬الثقافي،‮ ‬هو نفسه عبارة عن طيفٍ‮ ‬بألوان متعددة،‮ ‬وإن كانت متقاربة وعلى صلة من القربى وطيدة‮. ‬إنه‮ ‬يتفق على خطوط عريضة رئيسية،‮ ‬ولكنه استند في‮ ‬مراحل سابقة إلى مرجعيات فكرية‮ – ‬فلسفية عكست فسيفساء الفكر السياسي‮ ‬العربي‮.‬

صحيفة الايام
26 اغسطس 2008