المنشور

حول التيار الديمقراطي‮ (٢)‬

نشأ وضعٌ‮ ‬جديد في‮ ‬نتيجةِ‮ ‬التحولات التي‮ ‬حدثتْ‮ ‬في‮ ‬مواقف القوى السياسية في‮ ‬عام ‮٦٠٠٢‬،‮ ‬حين رجحت الوفاق،‮ ‬ومعها الجمعيات الثلاث الأخرى في‮ ‬التحالف الرباعي‮ ‬خيار المشاركة في‮ ‬الانتخابات النيابية،‮ ‬وهو أمر أزال،‮ ‬موضوعياً،‮ ‬واحدةً‮ ‬من أهم نقاط التجاذب بين أطراف التيار الديمقراطي‮ ‬خلال السنوات الأربع السابقة لهذا التحول،‮ ‬ونعني‮ ‬به الجدل حول التعاطي‮ ‬مع المؤسسة البرلمانية القائمة بالمشاركة أو بالمقاطعة‮.‬ أكثر من ذلك أظهرَ‮ ‬سير الانتخابات البلدية والنيابية في‮ ٦٠٠٢ ‬أن المدى الذي‮ ‬يمكن أن تذهب به التحالفات التي‮ ‬تشكلت فترة المقاطعة مدى محدود،‮ ‬وبدا ذلك في‮ ‬أن تلك التحالفات السياسية،‮ ‬إن جاز القول،‮ ‬لم تتحول إلى تحالفات انتخابية بالمعنى الجدي،‮ ‬دون التقليل أبداً‮ ‬من حجم الأصوات التي‮ ‬ضختها الوفاق لمرشحي‮ ‬التيار الديمقراطي،‮ ‬خاصة مرشحي‮ ‬وعد في‮ ‬الدوائر‮ ‬غير المغلقة على الوفاق،‮ ‬أما في‮ ‬الدوائر المصنفة بأنها وفاقية فان مرشحي‮ ‬التيار الديمقراطي،‮ ‬سواء المحسوبين على‮ »‬التقدمي‮« ‬أو على‮ »‬وعد‮« ‬فقد جرت محاصرتهم‮.‬ وكانت الحصيلة مجلسا نيابيا ومجالس بلدية قائمة على القسمة المذهبية الصرفة،‮ ‬وهي‮ ‬قسمة جرى تصميمها بعناية وذكاء،‮ ‬كان من نتيجتها المباشرة إذكاء روح المنافسة الطائفية والمذهبية،‮ ‬لا داخل البرلمان وحده،‮ ‬وإنما في‮ ‬المجتمع أيضاً،‮ ‬وفي‮ ‬الآونة الأخيرة بلغ‮ ‬الأمر حالاً‮ ‬من الاحتقان الطائفي،‮ ‬في‮ ‬شكل فعلٍ‮ ‬ورد فعل،‮ ‬بالتناوب بين المواقع الطائفية هنا وهناك،‮ ‬مما أثار المخاوف الجدية على مستقبل الوحدة الوطنية للمجتمع‮.‬ ومع أهمية التهدئة الحالية التي‮ ‬نشأت في‮ ‬أعقاب لقاء جلالة الملك مع رجال الدين،‮ ‬إلا أن مسببات هذا الاحتقان تظل قائمةً‮ ‬في‮ ‬ظل خفوت الصوت الوطني‮ ‬والديمقراطي‮ ‬البديل الذي‮ ‬يستند إلى تراث الحركة الوطنية البحرينية منذ تجربة هيئة الاتحاد الوطني‮ ‬في‮ ‬الخمسينات مرورا بالعقود التي‮ ‬تلتها حيث كان للتيارات الديمقراطية والقومية أبلغ‮ ‬الأثر في‮ ‬تسييد خطاب وطني‮ ‬جامع،‮ ‬كسر الشرنقة المذهبية والطائفية بجسارة ووعي‮.‬ الحاجة إلى هذا الصوت الوطني‮ ‬الجامع تتضاعف مرات في‮ ‬الظرف الراهن،‮ ‬وتكثر الدعوات داخل صف وطني‮ ‬واسع من القوى والشخصيات الوطنية المستقلة الداعية للتنسيق بين التيار الديمقراطي،‮ ‬والتغلب على معوقات هذا التنسيق،‮ ‬لأن المجتمع‮ ‬يفتقد الإرادة الموحدة لهذا التيار التي‮ ‬يمكن،‮ ‬لا بل‮ ‬يجب،‮ ‬أن تشكل مركز استقطاب للكثير من القوى الكامنة والمغيبة لهذا التيار،‮ ‬الجدير،‮ ‬وحده،‮ ‬بأن‮ ‬يكون كاسراً‮ ‬لحدة الاستقطاب الطائفي‮ ‬والمذهبي،‮ ‬والدافع في‮ ‬اتجاه الإعلاء من قيمة الوحدة الوطنية‮.‬ ويمكن لمركز الاستقطاب هذا أن‮ ‬يستوعب الكثير من العناصر المتنورة ذات التكوين المتسامح،‮ ‬التي‮ ‬تُدرك أن قدر البحرين هو في‮ ‬التعايش المشترك بين مكونات مجتمعها،‮ ‬على قاعدة المواطنة المتساوية والمتكافئة في‮ ‬الحقوق والواجبات،‮ ‬وعلى قاعدة تغليب الانتماء للوطن على أي‮ ‬شكلٍ‮ ‬من الانتماءات الأخرى،‮ ‬دينية أو مذهبية أو أيديولوجية‮.‬ وهذا‮ ‬يتطلب القدر الضروري‮ ‬من استقلالية التيار الديمقراطي‮ ‬في‮ ‬مواقفه وتكتيكاته المشتركة،‮ ‬بما‮ ‬يحقق النقلة المطلوبة في‮ ‬أن‮ ‬يكون هذا التيار فاعلاً‮ ‬في‮ ‬الأحداث لا منفعلاً‮ ‬بها،‮ ‬كما هو جارٍ‮ ‬في‮ ‬الكثير من الحالات‮.‬ غداً‮ ‬نواصل‮.‬
 
صحيفة الايام
25 اغسطس 2008