المنشور

الشراسة الإقطاعية.. الممرضون مثالاً..


ما هي المطالب التعجيزية الفاحشة التي طلبها الممرضون ليستحقوا هذه الحرب الشعواء التي تشنها الحكومة عليهم ممثلةً في مؤسساتها الثلاث ‘الصحة والتنمية وديوان الخدمة المدنية’ من زهاء الشهرين؟!
حقاً.. أطلبوا تخفيض دوامهم لساعتين!! أطالبوا بمساواتهم بالأطباء والمديرين!! أم طالبوا بزيادة قدرها 400% كدول الجوار.. أم ماذا؟!!

أيعقل كل هذه الضجة لأنهم طالبوا بتحسين أوضاعهم المعيشية؛ وبإعطائهم درجة تخصصية لا تساويهم بالكتبة والسكرتارية الذين يتقاضون الأجر ذاته رغم تباين جهد العمل وطبيعته؟! أكفر هؤلاء عندما قالوا إننا نمتهن مهنة شاقة محفوفة بمخاطر الإصابة بالأمراض المعدية ونطلب كادراً يراعي هذه الجزئية؟!

جميعنا يرقب -ومنذ أسابيع- تراشق التصريحات بين الطرفين؛ ويشهد تعسف الجهات المعنية في التعامل مع مطالب الممرضين.. فبين تعريض رئيسة الجمعية رولا الصفار لتحقيق كيدي ومن ثم إقصاؤها من الرئاسة.. وبين استهداف وعقاب كل من يعبر عن مطالبه بلبس شارة أثناء العمل بتعطيل ترقيته أو ابتعاثه؛ وبين تأليب مشرفي التمريض ودعم مساعيهم لحل وهدم الجمعية.. بين هذا وذاك وما تلاه، نقول: تبدو الوزارة كمن يخوض معركة كسر عظم.. متجاهلةً أن هذا الكسر سيُجهز على أحد أعمدتها كوزارة.. وأن الإحباط الذي تزرعه في صفوف الممرضين، إحباطٌ هي من ستجني قطوفه التي ستنعكس على مستوى الأداء؛ المتخلخل أصلاً!!

بالطبع ليس ذاك بتوجه الصحة كوزارة بل هو توجه حكومي عام ضد كل المطالب العمالية في صفوف الوزارات.. دليل ذلك أن وزارة التنمية دخلت على خط المواجهة مع الممرضين بشراسة.. فعينت، بقرار فوقي تفردي لا مثيل لعنجهيته، السيدة الفاضلة فخرية الديري كمدير مؤقت للجمعية دون وضع أي اعتبار لرغبة أعضاء الجمعية المعنية.. شخصياً فاجأتني فجاجة القرار في ضربه للأساس الذي بنيت عليه ومن أجله الجمعيات المهنية والأهلية؛ أفلا يكفينا أننا ندار كالقطيع في كل شيء؛ ليتم التدخل حتى في تفويضنا لممثلينا!!

بالطبع لا نبتغي من ذلك الانتقاص بأي شكل من الراقية فخرية الديري فكلنا يرى أنها بيدق تستخدمه الوزارة لخلق حالة من الإرباك في صفوف الجمعية في هذه المرحلة الحرجة.. وليس منا من يلومها على ذلك، بل اللوم على الوزارات التي تتعامل وكأنها إقطاعيات تدير عبيداً عليهم أن يقبلوا بالقنانة وشروطها وإلا فما لهم إلا السياط والجلد!!

إن ما جرى مع الممرضين- نقول- ليس بحالة شاذة؛ ولا يمكننا النظر لها بمعزل عن الطريقة التي تم التعامل بها مع التحركات الاحتجاجية للمعلمين والأطباء والمهندسين وغيرهم.. ببساطة دولتنا – كما دول الخليج- تملك فوائض ووفورات مالية وتريد أن تحجبها – قدر المستطاع- عن موظفيها ولا تريد أي مطالبات تنادي بغير ذلك..

فالحكومة لا تريد أن تشغل نفسها بالتفكير عمّا سيفعله الممرض أو الموظف الذي يتقاضى 400 دينار في دولة لا يقل إيجار أرخص شققها عن المئتين.. فقط تريد موظفين طيعين؛ يعملون بصمت.. واستكانة..
 
الوقت 19 أغسطس 2008