المنشور

لا إصلاح بدون تحديث

الإصلاح مقترن بالتحديث،‮ ‬ولا‮ ‬يمكن المضي‮ ‬في‮ ‬الإصلاح وتعميقه إلا عبر تعزيز نهج التحديث،‮ ‬الذي‮ ‬يتطلب عزيز وتقوية دور القوى الحديثة في‮ ‬المجتمع،‮ ‬كونها ضمانة من ضمانات بناء الدولة والمجتمع بآفاق عصرية،‮ ‬تقدم بديلاً‮ ‬مغايراً‮ ‬لما تعدنا به القوى التقليدية وتعمل في‮ ‬سبيله‮.‬ القوى التقليدية وبحكم بنيتها الاجتماعية والفكرية والمصالح المترتبة على ذلك تحمل عداءاً‮ ‬سافراً‮ ‬أو مبطناً‮ ‬للحداثة،‮ ‬لأن آليات هذه الحداثة كفيلة بتفكيك بُناها،‮ ‬لذا فهي‮ ‬لا تتعاطى مع الإصلاح كقضية مجتمعية شاملة،‮ ‬وإنما تريد له أن‮ ‬يكون وسيلة لإعادة هيكلة العلاقة مع البنى التقليدية الأخرى المشابهة لها جوهراً،‮ ‬حتى وان تضادت معها في‮ ‬الشكل‮. ‬ والتحديث الذي‮ ‬نتحدث عنه‮ ‬يشمل مجالات عديدة‮: ‬التحديث في‮ ‬الوعي‮ ‬وفي‮ ‬الإدارة وفي‮ ‬شكل المشاركة الشعبية والسياسية‮. ‬ومجتمعنا خطا خلال السنوات القليلة الماضية خطوات أمنت مقدارا مهما من الانفراج السياسي،‮ ‬وأتاحت مقادير‮ ‬يُعتد بها من حرية الرأي‮ ‬والتعبير والتنظيم في‮ ‬مجالات مختلفة،‮ ‬وهناك أسس موضوعية في‮ ‬المجتمع تؤسس لتطور هذه التدابير وتعززها‮. ‬ لكن مبادرات مهمة مازالت منتظرة في‮ ‬هذا الاتجاه،‮ ‬لأننا لا ننظر لهذه العملية بوصفها تصحيحاً‮ ‬لوضعٍ‮ ‬خاطئ كان قائماً‮ ‬فحسب،‮ ‬وإنما أيضا،‮ ‬وأساساً،‮ ‬كونها عملية من أجل تحقيق أهداف حيوية تتصل بالإصلاح السياسي‮ ‬والاقتصادي،‮ ‬وبتحسين الأوضاع المعيشية للمواطن وللتغلب على أوجه الفساد في‮ ‬الجهاز الإداري،‮ ‬وإعادة تأهيل هذا الجهاز ليستوعب مهام الإصلاح ويكون قادراً‮ ‬على الوفاء باستحقاقاتها‮.‬ كما‮ ‬يقتضي‮ ‬ذلك تفكيك البنية التشريعية المحافظة والرجعية التي‮ ‬تعود لحقبة أمن الدولة،‮ ‬التي‮ ‬صُممت في‮ ‬الكثير من وجوهها لحماية تلك المرحلة،‮ ‬لتحل محلها بنية تشريعية جديدة تتواءم وحاجات الإصلاح،‮ ‬لأن من شأن بنية مثل هذه أن تشكل القاعدة الضرورية التي‮ ‬تدعم تطور المجتمع المدني‮ ‬ونهوضه بالأعباء الواقعة عليه،‮ ‬وتوسع نطاق الحريات العامة وتضمن الرقابة على المال العام وحمايته من التطاول عليه‮.‬ ويتصل بهذه المهام تطوير أنظمة التعليم،‮ ‬وإشاعة المناخ الديمقراطي‮ ‬في‮ ‬مجال الثقافة والإعلام ورعاية التربية والفنون والآداب عبر توفير البنية الأساسية اللازمة لإيصال الخدمات الثقافية الضرورية إلى القطاعات الشعبية الواسعة،‮ ‬والتأسيس لمفهوم التنمية الثقافية بوصفه أحد أوجه التنمية المستدامة الموجهة نحو بناء الإنسان وتطوير مهاراته الذهنية والمهنية‮.‬ إن نهجاً‮ ‬متوازناً‮ ‬ومتكاملاً‮ ‬مثل هذا‮ ‬يستند إلى رؤية أو تصور شامل للإصلاح السياسي‮ ‬والإداري‮ ‬والمالي‮ ‬من شأنه أن‮ ‬يوفر بيئة اجتماعية تساعد على الحد من مظاهر الاحتقان والتعصب والميول المحافظة،‮ ‬ويساعد على إشاعة ثقافة الحداثة ودمقرطة بنى المجتمع المختلفة،‮ ‬لأنه‮ ‬يؤمن تفاعلا أوسع وأكثر ديناميكية بين قوى الإصلاح في‮ ‬المجتمع،‮ ‬وهي‮ ‬قوى فاعلة وتمتلك طاقات تغيير كبيرة،‮ ‬لكنها مازالت‮ ‬غير موظفة بالصورة الصحيحة‮.‬ ‮ ‬سيخلق ذلك ديناميات جديدة تجعل من الإصلاح قضية اجتماعية‮ – ‬سياسية مركبة تعني‮ ‬المجتمع كله في‮ ‬مواقعه المختلفة،‮ ‬بما‮ ‬يساعد على بلورة محتوى جديد للمجتمع المدني،‮ ‬ليصبح محتوى موجهاً‮ ‬نحو بناء الدولة الحديثة القائمة على مبادئ العدالة وتكافؤ الفرص أمام جميع المواطنين.
 
صحيفة الايام
20 أغسطس 2008