المنشور

أزمة القوقاز والحسابات الخاطئة


استحوذت أزمة القوقاز الجديدة على اهتمام مختلف وسائل الإعلام ومنها العربية التي يبدو أنها أعلنت انحيازها التام لصف الإعلام الغربي بعيدا عن الحيادية ودون قراءة متأنية للوضع الذي هو واقع قريب من أوضاعنا في المنطقة العربية.

ورغم أن الصحف البريطانية تكاد تجمع على أن الحرب الجورجية الروسية ما هي إلا فصول حرب باردة جديدة خسر معركتها «الغرب»، إلا انه من الضروري اخذ الحكمة والروية في كيفية التعامل مع الوضع المتفجر بالمنطقة.

فالغرب وكعادته تعود على بناء حسابات خاطئة عن الشعوب بل وعلى فهم الواقع الحضاري، ولعل مثالي أفغانستان والعراق اكبر دليل على ذلك وهما اللذان جاءا ضمن سيناريو شرق أوسط جديد، في حين ان ما يحصل بين روسيا وجورجيا يأتي ضمن سيناريو القوقاز الجديد عبر زرع شوكة تلو الأخرى في خاصرة روسيا وذلك من اجل محاصرتها عسكريا بدءا بمشروع الدرع الصاروخية في كل من بولندا والتشيك والآن كرواتيا، وصولا إلى جبال القوقاز المعروفة بارتباطها العضوي والحضاري بروسيا الفيدرالية.

هذا السيناريو يدفع إلى القول إن ما أقدم عليه حاكم تبليسي من حماقة هو بإيعاز من المحافظين الجدد في البيت الأبيض وحكام تل أبيب، من بعد تسليحه لشن عدوان غاشم ضد شعب استييا الجنوبية المطالب بالاستقلال، متجاهلا بذلك جميع اتفاقياته مع روسيا وأطراف أخرى بوعده عدم الاعتداء وإيجاد حل سلمي بالحوار.

إلا انه وكما يبدو فإن الرئيس الجورجي ميخائيل ساكا شفيلي خذل من قبل محرضيه الذين تبين لهم على ارض الواقع بان موازين القوى لم ولن تكون في صالحهم كما هو الحال في أفغانستان والعراق، لان الجيش الروسي هو وريث الجيش الأحمر السوفيتي الذي دك في يوم معاقل الفاشية في برلين ملحقا الهزيمة بالنازيين في عقر دارهم وهذا ما برهنت به روسيا أمام الغرب ومن مناطق نفوذها في فترة زمنية قصيرة، فكما للولايات المتحدة مناطق نفوذ ودول تعتمد عليها، فإن روسيا مازالت كذلك. وهو أمر أزعج واشنطن كثيرا مما دفع إلى خلط أوراق من هو الغالب والمغلوب في هذه الأزمة التي تتلخص في سيناريو أميركي يبدأ بعمليات عسكرية ضد استييا الجنوبية ومن ثم نقلها إلى ابخازيا والأخيرة تداركت الأمر بسرعة بشن هجوم على القوات الجورجية ومطاردة فلولها إلى خارج حدودهم…

هذه الأزمة تذكرنا بصيف 2006، فهي نسخة معدلة من العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان!
 
 
الوسط  18 أغسطس 2008