المنشور

تنظيم مطالب القطاع العام (1)

لم تمض سوى أيام قليلة معدودة على التعميم الذي اصدره ديوان الخدمة المدنية والقاضي بمنع موظفي القطاع العام من المشاركة في أي مظاهرات أو اعتصامات أو تجمعات غير مرخصة، وهو التعميم الذي أثار زوبعة من الاحتجاجات التي لم تهدأ بعد في صفوف الأوساط والمؤسسات النقابية والسياسية المعارضة.. نقول لم تمض سوى أيام معدودة على ذلك حتى حدث تطوران متزامنان تقريبا داخل اثنتين من مؤسسات القطاع العام نفسه: التطور الأول: ويتمثل في حدوث سلسلة من الاجتماعات والتجمعات التي قامت بها جمعية التمريض للمطالبة بالاسراع في اصدار كادر وظيفي خاص بالممرضين والممرضات ينصف ما يرونه اوضاعهم وطبيعة عملهم ويحقق لهم حدا أدنى من العدالة والمساواة تتفق وخصوصيات طبيعة مهنتهم، وقد تطور هذا الحدث، كما نعلم، الى قيام ما يقرب من ثلاثة آلاف ممرض وممرضة بلبس «شارة احتجاجية« أثناء الدوام لعدة أيام. التطور الثاني: يتمثل في قيام مجموعة من موظفي هيئة الإذاعة والتلفزيون، وهي من أكثر مؤسسات الدولة حساسية، باعتصام احتجاجي سلمي للمطالبة أيضا بما يرونه من أوضاع ومستجدات تمس حقوقهم الوظيفية تتصل بطبيعة عملهم داخل الهيئة، ولعل من ابرزها ضمان عدم إلغاء العمل الاضافي، وتدوير عدد من الموظفين والعلاوات وغيرها من المطالب الأخرى. قبل هذين التطورين – الحدثين شهدت العديد من مؤسسات القطاع، كما هو معلوم، العديد من الاحتجاجات المطلبية من هذا القبيل كالتي جرت في وزارتي الصحة والإعلام المتقدم ذكرهما ولكن كانت متفاوتة في حدتها وحجمها، أي لم تكن بحدة وحجم ما جرى في الوزارتين المشار إليهما ولربما الاستثناء من ذلك وزارة المواصلات وتحديدا «إدارة البريد« والتي تطورت الاحتجاجات المطلبية فيها كما نعلم إلى فرض تشكيل نقابة غير معترف بها رسميا لكنها استطاعت ان تنال تمثيلها داخل اتحاد العمال المعترف به رسميا، والاهم من ذلك فقد تطور الأمر إلى قبول تمثيل لهذه «النقابة« غير المرخص لها ضمن وفود اتحاد العمال إلى مؤتمرات العمل الدولية التي تشارك فيها الدولة نفسها دونما اعتراض من هذه الأخيرة. وفي كلتا الحالتين المتقدم ذكرهما كنموذجين للاحتجاجات المطلبية في القطاع العام واللتين وقعتا، كما ذكرنا، بعد أيام قليلة من تعميم ديوان الخدمة المدنية بمنع موظفي القطاع العام من التجمعات والاعتصامات غير المرخص بها، تقتضي الامانة الموضوعية القول ان القيادات العليا الادارية في كلتا الوزارتين تصرفت على الاقل بحد ادنى من المسؤولية وضبط النفس، فلم يجر فض الاعتصامات والتجمعات والاجتماعات الاحتجاجية بالقوة، ولم يتعرض أحد من المعتصمين أو المتجمهرين أو المتجمعين إلى الفصل أو الانذار بالفصل أو الخصم من الراتب والاهم من ذلك لم يتعرض احد منهم إلى تطبيق عقوبات تعميم الخدمة المدنية الصادر منذ أيام عليه. وإذ يسجل لكبار المسؤولين الإداريين في الوزارتين تعاملهم بحد ادنى من التحلي بالحكمة وضبط النفس في التعامل مع المطالب الوظيفية للفئتين المعنيتين داخلهما، فانه يسجل بالمقابل ما اظهره المحتجون في كلتا الوزارتين أيضا من انضباط ومرونة والظهور في إعلان احتجاجاتهم المطلبية بمظهر حضاري سلمي وصبور، وبطبيعة الحال هذا لا ينفي ظهور بعض المواقف السلبية من قبل كلا الجانبين الإداري والوظيفي، لكنها بالتأكيد لم تصل إلى درجة من الخطورة أو الصدام بين الجانبين، فالعبرة بالنهايات والقدرة على تجاوز المشكلة بالاسلوب الودي والحضاري. وابادر من جانبي لأقول بكل صراحة حتى وان اغضبت الاخوة في جمعية التمريض وهذا ما ذكرته حرفيا لعدد من الممرضين ومنهم ممرضون قريبون جدا مني إن لبسهم «الشارة الاحتجاجية« خلال الدوام الرسمي وعلى مدى أيام طوال ساعات العمل لم يكونوا موفقين فيه، لأنه يؤثر بصورة أو بأخرى على مناخ العمل ويضفي عليه جوا نفسيا من الشحن أو المشاحنات بقصد أو من دون قصد، وكان ينبغي إما لبسها خلال الساعة الأولى من الدوام وإما خلال الساعة الأخيرة لا ساعات الدوام كلها وبخاصة ان المؤسسات التي يعملون بها من أكثر المؤسسات التي يرتادها مرضى وزوار ومسؤولون ضيوف من مختلف البلدان. أما لبسها أثناء التجمهرات والاعتصامات خارج أماكن العمل بما في ذلك باحات المؤسسات التي يعملون فيها فلا حرج في ذلك في تقديري الشخصي. وللحديث صلة.
 
صحيفة اخبار الخليج
18 اغسطس 2008