المنشور

منابر لا تحتفي‮ ‬بالعقل‮!!‬

متى سيحتفي‮ ‬خطباء منابرنا في‮ ‬المساجد والمآتم بالعقل والوعي؟ متى ستتصل خطاباتهم بالواقع من منطلق تحليل عقلاني‮ ‬يدرك تفاصيل هذا الواقع وإشكالاته وأولويات العمل على تطوير آلياته الاجتماعية؟ متى ستظل هذه المنابر أسرى خطابات‮ ‬غالبًا ما تلامس العقل إلا من زاويته السطحية،‮ ‬بل أنها أحيانًا تخشى حتى الاقتراب منه؟ أليس الإسلام من كرم العقل وجعله مناط التكليف عند الإنسان والذي‮ ‬به فضله الله على كثير ممن خلق؟ أليس الإسلام هو من كرم العقل حين وجهه إلى النظر والتفكير في‮ ‬النفس والكون والآفاق وتأملها؟ أليس العقل هو بوابة الحوار مع الآخر وإن اختلفنا أو اختلف معنا أشد الاختلاف؟ هل العقل لا تكون له قيمة وأهمية إلا حين‮ ‬ينحرف عن جادة العقل؟ هل العقل‮ ‬يكمن في‮ ‬التغرير بالشباب وبالناس كافة من أجل الفوضى وإشعال الفتن وتكريس الطأفنة؟ لماذا‮ ‬يتجنب أهل المنابر الخوض في‮ ‬العقل والحديث عن الفلسفة وعدم الإصغاء للرؤى المتعددة من مختلف المذاهب والمشارب والأديان والاتجاهات الفكرية؟‮ ‬
ألم‮ ‬يوجهنا الإسلام إلى احترام العقل واستقلالية الذات وذلك بقوله عز وجل‮ ‘‬وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا ولو كان آباؤهم لا‮ ‬يعقلون شيئًا ولا‮ ‬يهتدون‮…’.‬
لماذا تجرد الخطب المنبرية في‮ ‬المساجد والمآتم من هذه المعاني‮ ‬العميقة للعقل والوعي؟ لماذا لايتم فيها مناقشة القضايا التي‮ ‬تجري‮ ‬في‮ ‬العالم،‮ ‬أو في‮ ‬واقعنا وبرؤية معاصرة وثاقبة تستوعب تغيرات العصر ومستجداته؟ ماذا تعني‮ ‬لدى هؤلاء الخطباء‮ (‬أولوا الألباب‮) ‬التي‮ ‬قصرها الله سبحانه وتعالى على أصحاب العقول؟ وكم مرة وردت في‮ ‬القرآن الكريم؟ أليس ذلك تذكير بأهميتها ودورها في‮ ‬الحياة؟
ألم‮ ‬يجعل الإسلام الدية كاملة في‮ ‬الاعتداء على العقل وتضييع منفعته؟ فكم عقلاً‮ ‬ضربناه بتقرير وإرهاب وتحريض دونما فطنة أو روية من أهل الخطبة في‮ ‬المنابر؟ مثل هؤلاء ألا‮ ‬يستحقون محاكمة على الإتيان بمثل هكذا أفعال؟‮ ‬
أعتقد أنه بات من الضرورة الوقوف مليًا عند من‮ ‬يستحق أن‮ ‬يعتلي‮ ‬هذا المنبر الذي‮ ‬اعتلاه أهل العقل والفطنة والفكر منذ عهد رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم،‮ ‬ومن لا‮ ‬يستحق،‮ ‬وهذه مسؤولية تتحملها وزارة الشؤون الإسلامية،‮ ‬إذ الكثير ممن‮ -‬معذرة‮- ‬قصر وعيهم‮ ‬يعتلون هذا المنبر ويهذون بكلام مردوده وعواقبه على وخيمة ربما على المجتمع بأكمله،‮ ‬ذلك أن العقل راهن ومستقبل لأنه خلايا التفكير في‮ ‬الدماغ،‮ ‬فإن تلفت هذه الخلايا لدى بعض من‮ ‬يعتلون المنابر فتوقع ما لم‮ ‬يكن بالحسبان وقل على الدنيا السلام،‮ ‬خاصة إذا تركت الساحة في‮ ‬أيديهم،‮ ‬والله من وراء القصد.
 
صحيفة الوطن
14 اغسطس 2008