المنشور

النفط رأس مال العرب (6)

يقوم المضمون الاقطاعي العربي الموغل في القدم بدمغ أية ظاهرة واردة من الخارج، فيحيلها إلى هيكليته ويمتص حداثتَها في تخلفه، ورأسماليتها في اقطاعيته. فامتيازات النفط وواردته تقسم بين الشركة الغربية والعائلة الحاكمة أو قيادة الحزب أو قيادة الدولة، فبدلاً من أن تكون ملكية النفط إنتاجية خاصة أو تابعة لدولة ديمقراطية، تصبح ملكاً لأطراف سياسية متنفذة، تعكس مصالح الطبقة المسيطرة في البلد المعني. وفي حين يخصص قسم صغير للخدمات ومصالح الدولة العامة تقوم ذات القوى المحلية المهيمنة وحلفائها في الإدارة بشفطِ قسمٍ آخر من ذلك التقسيم الثنائي، غرب مستكشف مستورد، وشرق منتج مالك، وهي تسميات على غير مسمى.
هكذا يقوم الاقطاع بتحويل ملكية رأسمالية حديثة إلى ملكية اقطاعية أساسية، في موارد الإنتاج الكبرى، ثم تجري كل العمليات الاقتصادية الفوقية بطريقة رأسمالية من تحديد للرأسمال الثابت أو المتغير وأسعار المواد الخام وبيعها، ولكن المضمون الأساسي، وتحديد أساسيات الدخل، تتم من خلال عوامل سياسية مسيطرة على العلاقات الاقتصادية، وهو أمر لا يختلف عما حدث في العصرين الأموي والعباسي. وهذا يندرج على الاصطفافات التجارية وطبيعة العائلات التجارية التي تتشكلُ من خلال قرارات سياسية عليا، عبر تشكل علاقات سياسية معينة بين الطبقة المسيطرة وهذه العائلات التجارية، فيجري السماح لعائلات معينة أو منع عائلات معينة من التجارة أو من الدخول إلى البلد، أو إعطاء جنسيات معينة حق مزاولة مهن مهمة، كما حدث للعائلات الأوروبية المهاجرة في بعض الأقطار العربية ومنحها امتيازات لا تـُمنح لمهاجرين آخرين. وتقوم العائلة المالكة للأرض والعباد أو المكتب السياسي للحزب الحاكم أو هيئة الضباط المتنفذة، بتقريب أو إبعاد الموظفين الكبار وتحديد بناء الوزارات والإدارات تبعاً لمصالحها ونفوذها ومداخيلها. بل حتى الموظفون الصغار يتأثرون بالسيطرة الإقطاعية على أجهزة الدولة، فهي ترتبُ الدوائرَ لخلق صراعات مذهبية أو دينية أو قومية وتكون خالية من الأفكار المناوئة لها، وتخفض الرواتب هنا من أجل ضبط السيطرة وخلق الفئات الدنيا المحتاجة. وإذا كان المضمون الاقطاعي هو المشكل لجوهر الملكية العامة فالطلاء الغربي الخارجي يكون متحداً بذلك المضمون، عبر المظاهر الحديثة والأشكال المحاسبية الغربية، لأن السلعة الخام لن تبقى في البلد المعني، بل سوف تكون من نصيب البلد الغربي، فليس مكان الإنتاج سوى مكان عابر، في حين يكون البلد الغربي الرأسمالي هو المكيفُ للسلعة من أجل حاجته ومشروعاته وتطوره. فيغدو البلد (المستورد) هو المنتجُ، ويصير المشتري هو المتحكم في عملية البيع. يغدو مكان إنتاج السلعة ضمن النظام الاقطاعي المحلي مستهدفا لغايات سياسية بارزة، أهمها استمرار تدفق المادة الخام الثمينة، كمادة خام أو كمادة محولة بعض التحويل، في حين تبقى العمليات التقنية والاقتصادية العميقة من اختصاص البلد المستورد، وهذه التحولات العميقة هي التي تبقي البلد المتطور مسيطرا ورأسماليا في حين يبقى البلدُ المصدر اقطاعيا تابعا. وإذا حدثتْ تطورات رأسمالية في البلد المصدر فإنها تبقى رأسمالية فوقية أو سطحية لا تصل إلى تصنيع المادة الخام إلى اقصى مدى. وليست المادة الخام ثمينةً إلا لظروف اقتصادية تاريخية تتعلق بأهميتها في بلد الاستيراد المسيطر، وليس في البلد المصدر، فمن اكتشفها أو زرعها وخلق شبكة إنتاجها المحلية وشبكة توزيعها الدولية هو البلدُ المستوردُ، لظروفٍ اقتصادية مرحلية تتعلق بتطور قواه المنتجة من مصانع ومعاهد بحث، ولدور السلعة المستوردة البارز في هذا الإنتاج، وحين تـُشاع مثل هذه السلعة أو تحل محلها بدائل كالقطن الذي نافسه الحرير والنايلون والقماش العادي، فإن نظام الاستيراد المسيطر يتغير. ولا تقتصر قوى نظام التصدير المحلي المنتج المفترض على الطبقة الاقطاعية المالكة أو المشاركة في الملكية، بل على قوى تقدم مساندة مالية وخدماتية وعملية للمشروع، كالمقاولين الذين يستأجرون عمالاً أو يبيعون مواد مفيدة للمشروع، أو كالتجار الذين يشترون جزءاً من المادة الخام أو المكررة ويوظفونها في السوق المحلية أو يصدرونها للسوق القريبة، ولابد لهؤلاء أن يكونوا مقبولين من قبل الطبقة المسيطرة، حيث يمثلون جزءاً من الحزام الاجتماعي الحامي للمشروع. أما العمال فهم يجلبون بسبب قوة عملهم، التي يخضع تطورها لتطور قوى الإنتاج في المشروع، وهنا تكون قوى الإنتاج(متدنية) فليست هي سوى استخراج مادة أولية، فتغدو المادة العضلية هي السائدة، وحتى لو كانت من الحقول والمراعي، وهي مرحلة البروليتاريا وتدني الأجور والاضرابات، وفيما بعد ستتغير قوى العمل. كما تتحكم العملية السياسية في تكوين قوى العمل بشكل كبير كذلك. وخلافاً للعديد من المجتمعات حتى في العالم الثالث نفسه يجد المجتمع العربي النفطي نفسه مفرغاً من تاريخه ومن قدراته على التحكم في البضاعة الثمينة فتلعب العوامل الخارجية دور المسيطر (القدري) عليه، فحتى التطورات الأموية والعباسية الحضارية كانت تجري في مناطق أخرى.
 
صحيفة اخبار الخليج
9 اغسطس 2008