المنشور

الأغلبية الصامتة

من العدل القول إن القوى والتيارات السياسية والاجتماعية المختلفة في‮ ‬البحرين قد دفعت إلى معترك النشاط السياسي‮ ‬اليومي‮ ‬بقطاعات مهمة من الناس في‮ ‬مختلف المناطق،‮ ‬ومن انحدارات اجتماعية مختلفة،‮ ‬كما أن هذه القوى قدمت رموزاً‮ ‬ووجوهاً‮ ‬نشطة تشكل دينامو النشاط الذي‮ ‬دب في‮ ‬البلاد في‮ ‬مرحلة ما بعد التصويت على ميثاق العمل الوطني،‮ ‬وما أشاعته من مناخٍ‮ ‬جديد عكس دينامية المجتمع البحريني‮ ‬وحيويته‮.‬ لكن من العدل أيضا القول انه مهما كان حجم هذه القطاعات التي‮ ‬اندفعت إلى النشاط السياسي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬والتطوعي‮ ‬كبيراً،‮ ‬فانه لن‮ ‬يحجب حقيقة ما بات متعارفاً‮ ‬على تسميته بالأغلبية الصامتة‮.‬ وتعبير الصامتة لا‮ ‬يعني‮ ‬بالضرورة،‮ ‬أن هذه الأغلبية أميل إلى الكسل والخمول والسلبية،‮ ‬أو أنها محايدة إزاء ما‮ ‬يجري‮ ‬في‮ ‬البحرين من تحولات،‮ ‬أو أنها مترددة في‮ ‬تحديد موقفٍ‮ ‬حول ما‮ ‬يدور،‮ ‬وحتى إن وجدت بعض الشرائح التي‮ ‬تحمل هذه السمات،‮ ‬فان ذلك لا‮ ‬ينفي،‮ ‬من جهة أخرى،‮ ‬وجود شرائح معروفة بوعيها السياسي‮ ‬وبمستواها التعليمي‮ ‬العالي،‮ ‬وشرائح أخرى تحتكم إلى حسها العفوي‮ ‬الذي‮ ‬يدلها على أن نجاح عملية التحول الديمقراطي‮ ‬في‮ ‬البلاد‮ ‬يستجيب لمصالحها الحقيقية‮.‬ ورغم هذا التشخيص الذي‮ ‬يبدو،‮ ‬بالنسبة لنا على الأقل،‮ ‬صائباً،‮ ‬ألا أن الحديث عن أغلبية صامتة‮ ‬يظل قائماً،‮ ‬وهو أمر‮ ‬يستحث القوى المختلفة المعنية بالأمر للتحري‮ ‬في‮ ‬العوامل التي‮ ‬تجعلها عاجزة عن استقطاب هذه الأغلبية أو حتى بعض شرائحها للانخراط في‮ ‬ديناميكية الحياة السياسية‮.‬ ومن بين الأسئلة التي‮ ‬قد ترد مباشرة إلى الذهن‮: ‬هل خطاب القوى الناشطة مازال عاجزاً‮ ‬عن استقطاب بعض هذه الشرائح،‮ ‬وهل لا تجد هذه الشرائح ما‮ ‬يستهويها في‮ ‬هذا الخطاب،‮ ‬سواء كان خطاب قوى الإسلام السياسي‮ ‬على تلاوينه أو الخطاب العلماني‮ ‬على تلاوينه أيضاً‮.‬ هل تجد هذه الشرائح الصامتة أن الخطابين،‮ ‬على تلاوينهما،‮ ‬قاصرين أو عاجزين عن تلبية تطلعاتها وتصوراتها لمستقبل البلاد،‮ ‬أم أن هذه الشرائح وَجِلة تجاه المستقبل،‮ ‬مأخوذة بذكريات الماضي‮ ‬غير البعيد المريرة،‮ ‬وبالتالي‮ ‬فان إحدى روافع الدفع بهذه الشرائح نحو المزيد من الايجابية هو في‮ ‬خطوات تسريع الإصلاحات وتعميقها،‮ ‬بحيث انه كلما لمست نتائج ذلك على الأرض كلما تعمقت ثقتها في‮ ‬جدية ما نحن بصدده من تحولات؟ هذا أمر نظنه صحيحاً‮ ‬إلى حدٍ‮ ‬بعيد،‮ ‬لكن‮ ‬يظل الجزء المتعلق بخطاب القوى الناشطة أو بأساليب عملها أساسيا وجوهرياً،‮ ‬وإذا كان من درسٍ‮ ‬يمكن استخلاصه من حقيقة وجود هذه الأغلبية الصامتة،‮ ‬فهو دعوة القوى السياسية مجتمعة إلى إبداء المزيد من التواضع في‮ ‬حديثها عن تمثيل الناس،‮ ‬بصورةٍ‮ ‬مطلقة،‮ ‬خاصة حين نلحظ أن هذه القوى،‮ ‬على تلاوينها المختلفة،‮ ‬مازالت تخضع لمخاضٍ‮ ‬تتجلى مظاهره هنا وهناك في‮ ‬اتجاه بلورة صورة وخطاب هذه القوى في‮ ‬المستقبل،‮ ‬الذي‮ ‬قد لا‮ ‬يكون بعيداً‮.‬ وما نطرحه هنا هو أقرب إلى التفكير بصوتٍ‮ ‬عالٍ‮ ‬منه إلى الاستنتاج أو الخلاصة،‮ ‬بهدف إثارة نقاشٍ‮ ‬حول الأسئلة المتصلة بالموضوع،‮ ‬ربما اقتضت وقفات أخرى‮.‬
 
صحيفة الايام
3 اغسطس 2008