المنشور

٢ ‬أغسطس ‮٠٩٩١‬ التـــاريخ ماكــر‮! ‬ ‮ ‬

لذلك فإنه سيذكر هذا اليوم طويلا،‮ ‬سيذكره بمقدماته وبنتائجه المدمرة وبالملابسات الكثيرة التي‮ ‬أحاطت به ودفعت إلى واحدة من الكوارث الكبرى في‮ ‬التاريخ العربي‮ ‬المعاصر التي‮ ‬لا تزال امتداداتها وذيولها مستمرة على صورة تمزقٍ‮ ‬عربي‮ ‬لم نشهد له مثيلاً،‮ ‬وعلى صورة مرارات نفسية استقرت في‮ ‬الأعماق،‮ ‬وعلى صورة وعي‮ ‬مهتز اختلطت فيه المفاهيم والقناعات،‮ ‬وانزاحت الخطوط عن مواقعها وتداخلت القيم‮.‬ ‮ ‬وبدا أن ما بذلته أجيال سابقة من تضحيات في‮ ‬سبيل ترسيخه قد انهار في‮ ‬غمضة عين‮.  ‬ولم‮ ‬يسبق وأن كان العالم العربي‮ ‬مكشوفاً‮ ‬على الخارج أو مطوقاً‮ ‬بالقيود المرئية وغير المرئية ومحاصراً‮ ‬في‮ ‬حركته وفي‮ ‬خياراته من قبل الآخرين كما هو الآن،‮ ‬ولم‮ ‬يسبق أن تضاءل هامش المناورة أمام العرب حتى كاد‮ ‬ينعدم كما هو حادث اليوم‮.‬ في‮ ‬جو صيفي‮ ‬حار ومحموم وسط تعبئة نفسية محمومة وتنطح لأدوار الزعامة التي‮ ‬هي‮ ‬فوق طاقة مدعيها،‮ ‬كانت القوات العراقية تتقدم إلى الكويت،‮ ‬فيما كانت تباشير النظام الدولي‮ ‬الجديد قد لاحت في‮ ‬الأفق بعد أن اتضح أن أفول القطب الدولي‮ ‬الآخر بات قاب قوسين أو أدنى‮. ‬

كانت المغامرة تذهب إلى أقصاها وسط قراءة ساذجة لمتغيرات الوضع الدولي‮ ‬محفوفة بجنون العظمة وغطرسة القوة ووسط صمت مر،‮ ‬ونكاد نقول تواطوء خارجي‮ ‬مستتر لدفع الجميع إلى المصيدة الكبرى‮.. ‬ولا داعي‮ ‬لإعادة سرد فصول المشهد التي‮ ‬أصبحت مُملة لكثرة ما سردت‮.‬ لقد وقعت الواقعة،‮ ‬ودفع الجميع ثمنها ولا‮ ‬يزالون‮ ‬يدفعون‮.  ‬

حري‮ ‬بنا اليوم أن نتذكر ضحايا الكارثة،‮ ‬نتذكر عذابات الشعب الكويتي‮ ‬فترة الاحتلال ونتذكر أسراه،‮ ‬ونتذكر الأسير الأكبر‮: ‬الشعب العراقي‮ ‬الشقيق الذي‮ ‬يدفع الأثمان مضاعفة على جرم اقترفه من جاءت بهم سوء الأقدار ليحكموه،‮ ‬ويسام سوء العذاب لأن اللعبة الدولية الكبرى التي‮ ‬دفعت لحرب الكويت ونتائجها أفرزت الوضع الحالي‮ ‬في‮ ‬العراق،‮ ‬الذي‮ ‬استباحته الديكتاتورية لعقود،‮ ‬ثم جاء أوان الاحتلال وهيمنة زعماء الطوائف والمذاهب وميليشيات التكفير وعصابات الإرهاب المصدر من خارج الحدود‮.‬

 لقد وقعت الواقعة‮! ‬ودفعت أثمانها مضاعفة وطال أمد النفق الذي‮ ‬أدخلت العراق والمنطقة فيه،‮  ‬بحيث بات الخروج منه ضرورة ليس فقط لاستعادة العراق ومكانته ودوره ومهابته الإقليمية والعربية،‮ ‬وإنما أيضا استخلاص الدروس الضرورية من هذه الكارثة،‮ ‬وهو أمر لا‮ ‬يبدو أن بعض الأنظمة العربية في‮ ‬وارد الانتباه إليه،‮ ‬حيث أنها تكرر الحماقات ذاتها،على نحو ما نشهده الآن في‮ ‬ملف دارفور بالسودان‮  ‬غير آبهة بمكر التاريخ‮  ‬الذي‮ ‬إذ‮ ‬يأتي،‮ ‬فانه‮ ‬يأتي‮  ‬في‮ ‬صورتين،‮ ‬واحدة على شكل سخرية والثانية على شكل مأساة‮.‬
 
صحيفة الايام
2 اغسطس 2008