المنشور

المعارضة التقدمية وتداعيات الضرورة المجتمعية

إن دعوة الأمين العام للمنبر الديمقراطي التقدمي الدكتور حسن مدن إلى التنسيق والتفاهم الثنائي ما بين (المنبر التقدمي و«وعد«).. هي دعوة صادقة نابعة من الأعماق، تمثل «حجر الزاوية في وحدة وفعالية هذا التيار« بحسب ما جاء على لسان الدكتور حسن مدن. ولعل هذه الدعوة في حد ذاتها جاءت تعبيراً وترجمة للاتصالات، وامتداداً وتواصلاً للقاءات التي جرت ونظمت ما بين قيادات الجمعيتين (المنبر التقدمي والعمل الوطني) ما قبل ستة أعوام خلت.. وذلك من أجل تلاشي العقبات والعثرات، وإزالة الصعاب والعوائق، التي كانت تمثل حجر عثرة أعاقت التقارب، وأبعدت اللقاءات ما بين الجمعيتين.. ولكن «هذا التنسيق سيوجد استنهاضاً واسعاً للقوى الكامنة لهذا التيار« حسبما صرح به الدكتور حسن مدن في الصحافة المحلية.
ونستطيع القول بهذا الصدد: ان بروز الخلافات السياسية والاختلافات الفكرية ما بين الجمعيات السياسية عامة، وما بين الفصيل ذاته بشكل خاص، والمشروطة هذه الخلافات والاختلافات بوحدة وصراع الأضداد، ومبدأ نفي النفي، ومفهوم التراكمات الكمية وتحولها إلى تراكمات كيفية.. هي ظاهرة صحية وحضارية، لكونها تسد النواقص وتعالج موطن الخلل ومواطن الثغرات، بقدر ما تنهض بالجوانب السلبية نحو الجوانب الايجابية، وتضيف شيئاً من الجدل المعرفي الديالكتيكي من أجل نضج الفكرة بماهيتها ومفاهيمها، واكتمال الموضوع بجوهره ومحتواه. إنه من الأهمية بمكان القول: إن اللقاءات والتنسيقات ما بين جمعيتي (المنبر التقدمي والعمل الوطني «وعد«) من أجل تشكيل تكتل سياسي، أو بالأحرى معارضة سياسية متماسكة متطورة في الفكر وناضجة في النهج والمنهج.. معارضة سياسية تنهض بـ (الدولة والمجتمع والوطن ومؤسسات المجتمع المدني) هي معارضة ليست «وليدة« اليوم أو الوضع الطارئ.. وانما هي معارضة قد أكدت وجودها وحضورها بالأمس، بقدر صمود بقائها وصيرورتها في الوقت الراهن والمستقبل على حد سواء، من معين نضالاتها وتضحياتها، ومثلما استنهضت هممها وعزائمها من إرادة شعبها وجماهيرها على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان، فإن هذه المعارضة تجسدت حقائقها ومفاهيمها في تشكيل أول حزب سياسي تمثل في جبهة التحرير الوطني البحرانية، التي خاضت أروع نضالاتها الوطنية ضد الاستعمار البريطاني بجانب نضالات (هيئة الاتحاد الوطني) في عقد الخمسينيات حسبما تجلت جبهة التحرير بتقديم الغالي والنفيس بأقدس تضحياتها المبدئية، قابضة على الجمر وعبر اللحظات التاريخية العصيبة مرحلة الاستعمار ومرحلة قانون الطوارئ ومرحلة قانون أمن الدولة، بجانب العديد من التنظيمات السياسية وفي مقدمتها جبهة تحرير الخليج والجبهة الشعبية في عقود الستينيات والسبعينيات والثمانينيات إذ إن جميع هذه التنظيمات خاضت أتون المعارك الوطنية والقومية والأممية.. وناضلت من أجل الحرية والديمقراطية، والقضايا العمالية والنقابية وعلى رأس هذه التنظيمات (جبهة التحرير الوطني البحرانية) التي تميزت بـ (البرنامج السياسي المتكامل فكريا واجتماعيا واقتصاديا) أضف إلى ذلك تبني الجبهة مشروع التحالفات للقوى الوطنية عام 1962م. ولعل ما يبعث على القول فخراً: إن «المنبر الديمقراطي التقدمي« في عهد الإصلاحات العامة في الألفية الثالثة، قد حرص على أمانته التاريخية والمبدئية بتبنيه وإيمانه بالعمل الوطني والنضالي والمبدئي كمصب سياسي ينساب من المنبع المبدئي، وكذراع للجبهة بمواصلة العمل الوطني من أجل النهوض بالمجتمع البحريني ونضجه سياسيا واجتماعيا وفكريا، بقدر السعي إلى ترسيخ التجربة الديمقراطية في أرضية الواقع الملموس، ورفع سقفها وتوسيع رقعتها بين أروقة مؤسسات المجتمع المدني والتعددي، وترسيخ ديمقراطية فعلية وحقيقية مرهونة بمعارضة مؤهلة ومخضرمة امتلكت الخلفية التاريخية لدعائم نضالات الدرب الصعب والطريق الطويل وتتمثل هذه المعارضة في وحدة التيار الديمقراطي التقدمي.. ووحدة المعارضة السياسية جمعيتي (المنبر الديمقراطي التقدمي والعمل الوطني الديمقراطي) في ظل قيادات هي على درجة الجدارة والاستحقاق لتداعيات أقدس التضحيات المنشودة، واعتماد كوادر مستعدة للتضحية وبذل أقصى العطاءات وذروة الإبداعات إيماناً من قناعاتها ومهماتها ومسئولياتها وبما تحتمه القضايا المجتمعية والوطنية. وانطلاقا من وعيها السياسي والاجتماعي والواقعية السياسية والتجربة النضالية. إن هذه المعارضة السياسية، هي المعارضة العقلانية المؤهلة، لاستيعاب مختلف المراحل التاريخية، بقدر استيعابها مبدأ الحوار ولغة العقل ومنطق الجدل الديالكتيكي، من أجل عملية اللقاء والتنسيق وطرح البدائل الايجابية، والسعي إلى تحقيق مفاهيمها وحقائقها المنشودة، بقدر تحقيق أجندة البرنامج السياسي المستنير لهذه المعارضة السياسية، التي تحمل ضمن برنامجها السياسي (الحد الأدنى والحد الأقصى) من الأهداف الشعبية والمجتمعية والوطنية. ومن هنا فإن هذه المعارضة الديمقراطية التقدمية، تمثل الضرورة المجتمعية والحتمية التاريخية، لتميزها بالآفاق الفكرية المستنيرة، والأبعاد السياسية الواقعية والمدروسة، بحسب ما تبوأت هذه المعارضة التاريخ الوطني والنضالي والمبدئي المشرف الذي تجاوز نصف قرن من الزمان.
 
صحيفة اخبار الخليج
1 اغسطس 2008