المنشور

موجابي والرئيس في الشرق

لا يخرج الرئيس في الشرق، سواء كان رئيس دولة أو رئيس حزب، إلا بانفجارِ عرقٍ في رأسه، أو بجلطةٍ في مكان مؤثر من جسمه التاريخي، أو أن تنزل قوات دولة عظمى لكي تزحزح الالتصاق الأبدي لجسمه بكرسي العرش ويذهب في عملية الفتاق السياسية الحربية مئات الآلاف من الضحايا، أو أن يموت موتة ربه، فلا يستطيع بطبيعة الحال أن يقاوم عزرائيل. لم يخرج رئيسٌ في الشرق إلا بكوارث، فبعد البناء المزدهر المغشوش في معظم الأحيان، يمضي الرئيس إلى حتفه ويمضي بلده إلى الخراب.
تتحول القوانين وتتبدل على مقاس القادة، ويغير الدستور، وتوضع مواد جديدة تضمن للرئيس البقاء في دورات قادمة حتى يذوب لحمه، وتذوب لحوم المواطنين وتختفي الكلاب والقطط من الطرق والمزابل. وكل رئيس يحن بعد أن ذوّب الكرسي من كثرة القعود عليه والجثوم فيه، وبعد أن غزا جراد حزبه الموارد، وتضخمت ثروات أسرته، إلا أن يخلفه وريث، يواصل السياسة العظيمة للوالد الراحل، والقائد الهمام السابق. وتظهر الحشودُ الحزبية الآلية تصفقُ للتعديل الدستوري الحكيم، وهي كلما نفخت في أسطورة الحاكم تضخمت جيوبها، واورثت أمراضها لأجيال قادمة تحفظ ميراث الأمة الخالد. وحين ترك جورباتشوف سلطة بلد يمثل سدس اليابسة ببساطة وكأنه يترك بيتاً مستأجراً، صرخ فيه قادة العالم الثالث المناضلون من أجل الكرسي الأبدي، وقالوا كيف يتنازل عن مقعده؟ هذا رجل مخرب.
المتضخمون والمتورمون في كراسيهم الحقيقية والمتوهمة لا يصدقون أن يتحول رئيس دولة عظمى إلى كاتب بسيط ومروج للإعلانات التجارية، بل يتصورونه يقود الدبابات لسحق التمرد وقتل الملايين ليبقي على سلطته. وفي قيامه بالدعاية ونشر الكتب والسفر عاش حياة أجمل من حبسه في الكرملين بين حشود المخابرات والتقارير، وأخرج بلداناً كثيرة من الحبس الروسي، وفتح العقول لكي تجدد نظرياتها اليابسة. كان ينتظر أن يكون مثل ستالين الذي بالكاد عرفوا بموته لأنهم يخشون الاقتراب منه، أو ماوتسي تونج الذي حافظ على سلطته بعد إنجازاته الوطنية التحريرية المبهرة ثم عجز عن التطور الفكري وتشبث بالكرسي، فاختزل بكراس صغير كل ثقافة الإنسانية وفهم الثقافة والاقتصاد، وفجر الثورة الثقافية وهي ثقافة الجهلة والقتلة لكي يزيح فقط مناوئيه.
وموجابي يواصل سيرة الاستبداد الشرقي كغيره من الحكام والزعماء، مصراً على البقاء في الحكم لعدة دورات، ومنتقلاً من صورة الزعيم الوطني المحرر العظيم، إلى صورة المستبد العاجز عن تطوير بلده، لكي يقدم الصورة المنتظرة الموعودة وهي صورة الخراب العميم الذي تبدأ بذوره منذ الآن عبر فرض العقوبات حتى الانهيار الداخلي والتقاتل الأهلي والمذابح. في حين ان مانديلا كان أفضل حتى من جورباتشوف حيث تنازل عن السلطة بمحض إرادته، وهو بعيد كثيراً عن سن التخريف، كما وطد سياسة الحرية والديمقراطية في حزبه وفي مجرى بلده مستمتعاً في آخر عمره بالرحلات والحب والصحة. وسياسة الرؤساء المتجبرين هذه لن تجدها في الحكم الرفيع أو الرقيع هذا، بل حتى في الأحزاب والأندية والبيوت، شبكة متوارثة أباً عن جد، وهي الأرضية الأساسية التي تزهر فتخرج الطغاة الصغار وهو الحقل الواسع المنتج للفراعنة الشرقيين المستمرين بعد آلاف السنين.
وفي حين تريد الدول الغربية تغيير نمط هذا الحكم المتجسد في موجابي ليس فقط نتيجة لثقافتها الديمقراطية بل أيضاً لمصالحها ورغبتها في تبدل السياسة الاقتصادية المركزية الحكومية وظهور اقتصاد سوق واسع يكون مكاناً لشركاتها وسلعها، لكن من خلال قادة غير محتكرين للسلطة ويقومون بتحولات مفيدة كذلك لأوسع قطاعات الشعب التي عانت السيطرة الحكومية، لكن رجل الحكم المطلق يواصل مسيرة الغاء إنجازاته الوطنية العظيمة السابقة، ويحضر للخراب الواسع.
 
صحيفة اخبار الخليج
29 يوليو 2008