المنشور

الروسيات بعد‮ ‬ البنغاليين والحبل على الجرار

تتذكرون ولا شك أولئك النواب الذين طالبوا بإبعاد كل العمال البنغاليين من البحرين لأن أحدهم ارتكب جريمة قتل بشعة، فلم يجد هؤلاء الحل سوى المطالبة بإنزال العقاب الجماعي بجالية بكاملها يسهم أبنائها في الدورة الاقتصادية في البلد  من خلال بيع قوة عملهم بأبخس الأجور، شأنهم في ذلك شأن بقية العمال الآسيويين في البحرين وبلدان الخليج الأخرى.
أهي المصادفة وحدها التي جعلت من هؤلاء النواب أنفسهم، أو من هم على هواهم، من يقيمون الدنيا ولا يقعدونها لأن قائمة الجنسيات التي أعلن عن منح حامليها تأشيرة في المطار شملت الروس، فكل من يحمل جنسية هذا البلد من النساء هن في عرف هؤلاء عاهرات.
المنطق هو نفسه، فكرة العقاب الجماعي للروس كما هي فكرة العقاب الجماعي للبنغاليين.
في حينه قلنا انه ما من شعب يحمل جينات الجريمة في دمه، وجرائم القتل البشعة ترتكب في أكثر بلدان العالم تحضراً، واليوم نقول انه ليس للرذيلة وطن، وليس للفضيلة وطن، ففي كل بلدان العالم ودون استثناء توجد الاثنتان، الرذيلة والفضيلة.
ومن المعيب أن يٌرمى شعب بكامله بهذه الصفة، خاصة حين يدور الحديث عن شعب يمثل حضارة وثقافة عظيمة مثل الشعب الروسي، لكن أنى لمحدودي الأفق، من ممثلي الإسلام السياسي في مجتمعنا أن يعرفوا ذلك، هم الذين لا يعرفون شيئاً عن حضارة الإنسان وثقافته.
هل يدرك هؤلاء أن في روسيا أرقى المتاحف وأكثرها ثراء وغنى بكنوز الحضارة الإنسانية، بما فيها الحضارة العربية الإسلامية، وأن روسيا أعطت العالم كتابا عظام من وزن ديستوفسكي وتولستوي وغوغول ومكسيم غوركي وتورجينف، وأن أعمال هؤلاء مقرؤوة في العالم كله وبكل اللغات بما فيها لغتنا العربية، وما يقال عن الكتاب يقال عن شعراء من وزن بوشكين وليرمنتوف، وموسيقيين من وزن تشايكوفسكي ورحمانوف وسواهما، وأن التلاميذ الروس منذ المراحل الدراسية الأولى يتعرفون على هؤلاء الكتاب والشعراء.
هل يدرك هؤلاء أن أول إنسان  طاف الفضاء ودار حول الأرض هو الروسي يوري غاغارين؟
هل يجوز بعد ذلك أن يرمى مثل هذا الشعب بكامله بالرذيلة، لأنه صادف أن وجد فيه، كما في أي شعب آخر من يمارسها، وحسب المقال الجميل للصحافي راشد الغائب في “الأيام” أمس فان غالبية من يمارسن الرذيلة في بلداننا هن من جمهوريات أخرى، غير روسيا، كانت في عداد الاتحاد السوفيتي، وعدد كبير منها جمهوريات إسلامية التاريخ والدين.
ختاماً، فليسمح لنا ممثلو بعض ممثلي الإسلام السياسي، النواب منهم خاصة، أن نسألهم لماذا لا نسمع صوتكم يعلو احتجاجاً على أن جنود البحرية الأمريكية، الذين يمثلون ما يمثلون مما لا يخفى عليكم، يدخلون البحرين ويخرجون منها بدون تأشيرات، طالما كانت سيادة الوطن وسلامته الأخلاقية تعنيكم إلى هذا الحد؟
 
صحيفة الايام
27 يوليو 2008