المنشور

الكهرباء تنقطع‮ ‬عن بلد المستقبل‮!!‬


لا يمكن الحديث عن نهضة وتطور وتقدم وازدهار وما ماثل هذه الكلمات من علامات وملامح ومعان تشي بالرقي والتفوق العصري والكوني، ما لم يتم الاهتمام أولاً وقبل كل شيء بالبنى التحتية للمجتمع وتكثيف الجهود والطاقات من أجلها، وانطلاقاً من أولوية هذه البنى لدى الأجهزة الرسمية والخاصة بمختلف اختصاصاتها وتوجهاتها وعلومها في الدول المتقدمة تمكنت هي ومجتمعاتها من النهوض والتواصل الحضاري مع كل المنجزات العصرية والكونية.
 فحين يجري الحديث مثلاً عن مشروع تكنولوجي عالمي، تجد هذه الدول قد درست إلى مدى بعيد حجم الإمكانات التي لديها لإقامة واستيعاب هذا المشروع وكم المستفيدين منه، وما إذا كان هذا المشروع سيستنزف طاقة معينة من الطاقات التي يحتاجها المجتمع ويعيش عليها أم لا، فمن خلال هذه الدراسة والتخطيط يتم تحديد مدى إمكانية إقامة هذا المشروع أم لا. وبالتالي يندر أن نسمع مثلاً عن مشروع تنموي أقيم في مثل هذه الدول وأثبت فشله أو عدم جدوى صلاحيته. ويندر أن نسمع مثلاً عن بلد يقيم مثل هذه المشروعات الهائلة، تكرر فيه انطفاء الكهرباء في اليوم الواحد أو في العام، وإذا حدث فإنه يحدث لظرف اضطراري وربما يحدث كل عشرين عاماً مرة واحدة ولمدة دقائق، وربما يتعرض المسؤولون عن هذا الخلل إلى مساءلات وتحقيقات واستجوابات من الجهاز الحكومي ومن مؤسسات المجتمع المدني تضطرهم لأن يقدموا استقالتهم فوراً بعد الاعتذار للمواطنين والمقيمين والمجتمع الدولي ربما بأكمله.
فما حدث يعتبر إدانة ليست في صالح مجتمع ينتمي للحضارة والعصر الكوني، ومن سيأتي بعد الذي سبقه لتولي مهامه ومسؤولياته سيتردد ألف مرة قبل أن يعلن قبوله أو صلاحيته، ويفكر مليون مرة في كيفية تجاوز هذا الخطأ أو الحدث وفي عدم حدوثه لعقود قادمة، ومن هذا المنطلق نجد أن هذه الأمم جديرة بأن تُحترم وأن يحتذى بها، لأن التفكير في إقامة البنى التحتية والاهتمام بها يستغرق جهداً غير عادي من البحث والدراسة والتخطيط، لذا لا نقرأ أو نشاهد مثلاً ازدحاماً في شوارع أوروبا أو سنغافورة أو اليابان، أو شكوى من أزمة ماء أو كهرباء، لماذا؟ لأن هناك من يفكر والمستقبل نصب عينيه.
ما أثار هذا الموضوع في ذهني هو المنافسة العمرانية الملحوظة والكثيفة لإقامة الأبراج والمنشآت الصناعية والتجارية في المملكة، وهي منافسة لا شك نحتاجها ما دامت ستستوعب طاقات الوطن وتخفف نسبياً حدة البطالة، وتسعى إلى أن تشكل في المستقبل وطناً ينتمي للعصر والحضارة، ولكن أتساءل: كيف ستستوعب المملكة هذه المنشآت الهائلة وهي التي تعاني الأمرّين من مشكلة الكهرباء؟ هل حسم أمر انقطاعها الصيفي الذي لا يزال كثيرون يعانونه في مناطق متفرقة من المملكة، حتى نشرع في إقامة مثل هذه المنشآت؟ هل يتوازى هذا الطموح العصري مع حجم التغذية الكهربية ‘المعتلة’ بألف مشكلة ومصيبة؟ ألا تعتقدون بأن هذه المنشآت الحيوية ستسرق أضعاف أضعاف ما يحتاجه المواطن منها؟ إذ غالباً ما يكون المواطن ضحية هذه المنشآت، ذلك أنها الماكنة الاقتصادية للبلد، علماً أن ‘شغيلة’ هذه الماكنة هم من يتضرر من ‘دلالها’ الكهربي خارج موقعها، ثم أيهما أولى؟ هذه المنشآت أم تسخير كل الجهود والطاقات من أجل إصلاح أهم مرفق حيوي في البنية التحتية وهو الكهرباء؟
عباد الله بدأت شكواهم تزداد هذه الأيام من انقطاع التيار الكهربي عنهم بين فترة وأخرى، ولا يزال الصيف في أوله، فماذا أعددنا لتفادي مشكلات الإثنين الأسود؟ كيف ستستوعب هذه الكهرباء في الراهن القريب والمستقبل القريب ما يحدث في البلد من انفجار عمراني؟ كيف ستستقر أمور المياه التي بدأت تنقطع عن بعض المناطق؟ كيف ستكفي هذه المياه بلد المستقبل؟ كيف ستحل مشكلة التلوث البيئي التي ستنجم عن هذا الانفجار العمراني والسكاني؟
في بريطانيا تمكن علماء أخيراً من حل مشكلة الروائح النافذة من المجاري بعمل أنابيب عمودية تشتغل ضمن آلات مضادة للروائح، أما نحن ولله الحمد فالروائح التي تنفث من مصنع الأنقاض في توبلي ومن مصباتها في خليج توبلي فحدث ولا حرج، بل إن كثيراً ممن تملك منزلاً أو بنى بيتاً أو استأجر فكر في مغادرة المنزل سريعاً، ذلك أنه لا يمكن أن يحتمل مثل هذه الروائح الفتاكة، ماذا عملنا من أجل التصدي لهذه المشكلة التي ستزداد في الأيام القريبة، خصوصاً أن شارع الخدمات أصبح ‘تجارياً’؟ أين التفكير في البنية التحتية؟ لماذا تفكيرنا دائماً وقتي وطارئ؟ لماذا يسهل الترخيص لقيام الأبراج والمنشآت، بينما يصعب عندما يتعلق الأمر بالبنى التحتية التي تغذي هذه المنشآت الحيوية؟ أليس انقطاع التيار الكهربي عن دائرة كهربية تدير شأن منطقة معينة، طرفة في حد ذاته؟!
بخلل الاهتمام بالبنى التحتية تختل البنى الفوقية وتهتز ويصبح رسوخها رجراجاً عصرياً وحضارياً، وما لم نقف على إشكالاتها، فإنه لا يمكن الحديث عن بلد المستقبل.
 
الوطن 18 يوليو 2008