المنشور

هكذا تكلمت المرأة


“إن الرجل الأمريكي الذي انتصر على الطبيعة انتصارا متميزا هو نفسه اشد الناس خوفا من طبيعة المرأة، ومن الأنوثة بحد ذاتها. وقد اخترع الأمريكي صورة كاريكاتيرية للذكورة. وهي المبالغة في الذكورة، فلا حساسية، بل خشونة ومنطق ووقائعية.  أما الأوروبي فلم يحقق مثل هذه السيطرة على الطبيعة، لكنه لم يشعر بالاغتراب الكامل عنها، ولذلك عاش بارتياح اشد وهو في حالة من الصداقة مع المرأة والطبيعة الأنثوية”.  قائلة هذا الكلام هي أناييس ين التي ولدت في باريس مطلع القرن العشرين وتوفيت في الولايات المتحدة عام 1977. والقول هذا يأتي في سياق سلسلة شهادات ضمها كتاب بعنوان “هكذا تكلمت المرأة”.
  شاركت في الكتاب مجموعة من أشهر النساء الأديبات المعاصرات عن تجاربهن الأدبية، متوقفات بشكل خاص أمام هاجس المرأة المبدعة، على نحو ما تفعل اناييس ين نفسها. تتحدث الكاتبة عن امرأتين في داخلها في مرحلة من مراحل إبداعها المبكرة: امرأة محبطة، مرتبكة وحائرة، وأخرى تهم بالوثب صوب المشهد، وقادرة على الفعل، بامتلاء وغزارة. لكنها بعد حين وجدت في نفسها الكثير من المرأة الثانية، فلم تعد محبطة ومرتبكة، لكنها وصلت إلى مرحلة من النضج والإدراك. وإنها باتت قادرة على التمتع بالأشياء من غير قلق وخوف مرحلة الشباب، ومن غير حالة اللا يقين، لذا فبالإمكان القول انه ومع مرور الزمن انتصر جزء من الذات على الجزء الآخر. أديبة أخرى مشاركة تحذر من التعاطي مع ما تكتبه النساء بوصفها نصاً نسائياً، من المستحيل تماما أن نصل إلى مسافة اقرب للنفاذ إلى الحقيقة عندما نقرأ عملاً لامرأة مبدعة بوصفها امرأة.  رغم ذلك فإن الاطلاع على تفاصيل ما ترويه المشاركات يفتح آفاقاً رحبة لرؤية أن حساسية المرأة تجاه بعض مظاهر المعاناة الخاصة بالمرأة لا بد أن تترك أثرا مختلفا عن ذاك الذي يظهر عند الرجل.
ليس عبثاً أن محرر الكتاب أو ناشره اختار له هذا العنوان بالذات: “هكذا تكلمت المرأة”.  انه يرغب في حملنا على رؤية شهادات تقولها النساء تحديدا، عن أنفسهن بصفتهن نساء، وعن إبداعهن بوصفهن نساء مبدعات وليس مبدعات فحسب، علنا نمسك ببعض المداخل لولوج تجاربهن الإبداعية ونحن على بصيرة أوسع.
 
الأيام 17 يوليو 2008