المنشور

نشتري إيران أم نبيع؟


كل المؤشرات تقول بتزايد سخونة الأوضاع حول إيران. ويحدث ذلك في حالة دولية تتسم بأن قرار الحرب والسلام رهن بيدي زعيمين مأزومين. رئاسة بوش الابن بدأت بكارثة 11 سبتمبر/ أيلول التي كشفت عن ثغرات كبرى في نظام الأمن الأميركي، وتنتهي بفشل فعلي لمغامرته في العراق. أما أولمرت فقد عانى من هزيمة نكراء في حربه على لبنان العام 6002 سببت صدمة نفسية للمجتمع الإسرائيلي، والآن يغوص في وحل التهم الأخلاقية.
هذا التوافق في الحالة النفسية وفي المصالح بين الرئيسين يجعل من احتمالات الحرب أمراً مرعباً. مرعباً لأن هناك عسكريين يبسطون ويزينون المسألة للرئيس بوش بأن مجرد القصف الجوي سيكون كافيا للإطاحة بالنظام الإيراني كما كان الحال مع صربيا وأفغانستان.. ولأن أولمرت يعتقد بإمكان رد الإهانة التي تلقاها من حزب الله مضاعفة إلى ولي أمره في إيران. منذ العام الماضي كان واضحا أن اللوبي الإسرائيلي في أميركا وحلفاءه من المحافظين الجدد والمسيحيين الصهاينة يدفعون أميركا إلى هذه الحرب.
وقد كشف الكاتب اليساري الإسرائيلي أوري أفنيري أن نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني صمم خطة ميكافيلية تقضي بأن تبدأ إسرائيل بمهاجمة مشروعات نووية إيرانية لتجيب إيران بقصف إسرائيل بالصواريخ ما سيخلق حجة للأميركيين لمهاجمة إيران. أغريب هذا؟ لا، كيف صُممت ونُفذت فكرة العدوان الثلاثي على مصر العام 6591؟ خططت فرنسا، بريطانيا وإسرائيل للإطاحة بالرئيس جمال عبدالناصر. تم الاتفاق على أن تنزل إسرائيل مظليين قرب قناة السويس، فيشكل هذا النزاع حجة لاحتلال فرنسي- بريطاني للقناة. وتم تنفيذ العدوان الذي لم يحقق أهدافه. وها هو المحلل الإسرائيلي أليكس فيشمان يؤكد احتمال تكرار سيناريو شبيه بأن الإدارة الأميركية هي أول من سرب المعلومات عن المناورات الإسرائيلية لتخويف إيران، وأن ‘الجيش الإسرائيلي يدق لدى الإدارة الأميركية للدفع بالأزمة حتى حالة الانفجار’.
غير أن الحرب ضد إيران تشكل مغامرة من نوع خاص. فهي مقارنة بالعراق أكبر مساحة بأربع مرات وسكانا بثلاثة أضعاف. وتشير التحليلات إلى أن من الصعوبة عمليا تدمير كل المشروعات النووية الإيرانية. بعضها قريب جداً من مناطق سكنية في طهران وأصفهان. وبعضها في أعماق الأرض بحيث يصعب تدميرها بوسائل القصف الاعتيادية. وترجح صحيفة ‘ذي فايننشال تايمز’ أن الإسرائيليين سيضربون ثلاثة أهداف: المصنع التحويلي في أصفهان، مصنع الماء الثقيل في أراك، ومصنع تخصيب اليورانيوم في ناتانتز. الأخير هو الأكثر صعوبة لأن مشروعه الأساسي الذي يحوي 05 ألف جهاز طرد مركزي يقع عميقاً في باطن الأرض. وإذا كانت ‘ناتانتز’ تبعد مسافة 0041 كلم عن ‘إسرائيل’، وهي المسافة نفسها التي قطعتها المقاتلات القاذفة الإسرائيلية أثناء التدريبات الأخيرة. وإذا كانت أميركا قد زودت ‘إسرائيل’ قريباً بمئة قنبلة من طراز GBU-28 لتدمير التحصينات الجوفية قادرة على اختراق الأرض حتى عمق 03 متراً ثم تدمير حاجز سمكه ستة أمتار من الخرسانة المسلحة، يتبين مدى جدية تلك التحضيرات.
يعرف العسكريون قبل غيرهم أن المسألة لن تحل بضربات جوية سريعة وماحقة تطيح بالنظام الإيراني. سيرد الإيرانيون في كل الاتجاهات. وما داموا سيفقدون الكثير بما في ذلك إمكانات تصدير النفط فلماذا لا يكون الرد بإغلاق مضيق هرمز ووقف إمدادات النفط عموما؟ ومن الطبيعي أن مهمة الأميركيين ستكون إعادة فتح المضيق بأي ثمن. لكن ذلك سيعني الحاجة إلى احتلال بري لقسم كبير من أراضي إيران. بل وأجزم أن الهدف من وراء كل القصة هو احتلال منابع النفط هناك أصلا. لكن ذلك سيعني أن الحرب لن تكون خاطفة بالتأكيد. وستتسع هذه الحرب لأن الحرس الثوري – بخلاف الجيش الإيراني ‘يشكل تهديداً جدياً إذ يستطيع مهاجمة القوات الأميركية في العراق وأفغانستان والقواعد العسكرية الأميركية في أوزبكستان، الكويت، باكستان، البحرين، عمان، وقطر’. ناهيك عن أن الصواريخ المجنحة ستطلق على الناقلات والسفن الأميركية في مياه الخليج بلا انقطاع. ويرى محللون أن هذه الضربات وإن كانت ستدمر قدراً كبيراً من القوى العسكرية الإيرانية، إلا أنها لن تقعدها عن الرد. وقد أثبت تاريخ الإيرانيين أنهم شديدو الفخر بانتمائهم والدفاع عن مصالحهم القومية قبل أي شيء آخر. وفي الحرب التي شنها النظام العراقي ضد إيران دافع الإيرانيون طيلة ثمان سنوات عن أراضيهم بكل الوسائل. لكنهم – من وجهة نظرهم القومية – كانوا براغماتيين إلى أبعد الحدود. ففي حين كانت أميركا تدعم النظام العراقي لم يترددوا عن الحصول على أسلحة مهربة من ‘إسرائيل’ التي تصرفت وفق مبدأ عدو عدوي صديقي – حسب أوري أفنيري. ولعلها الحالة الوحيدة التي تتخذ فيها أميركا وإسرائيل موقفين متناقضين حيال حرب كبرى كالعراقية الإيرانية. وللحفاظ على أمنهم الداخلي لم يتخلص الإيرانيون بعد الثورة من خبراء ‘سافاك’ التي دربتها خدمة الاستخبارات السرية الداخلية الإسرائيلية ‘شاباك’ منذ عهد الشاه. ولا يبدو أن النظام الإيراني سيفقد براغماتيته حتى في الأزمة الراهنة رغم الصوت العالي للرئيس أحمدي نجاد. نجاد ليس إيران بكل تقاليدها. جهة إصدار القرار الحقيقي للقوات المسلحة الإيرانية ليست الرئاسة وليست ميالة للتصعيد، وتبدو حذرة بما فيه الكفاية، رغم الصرامة المبدئية. ويبدو ذلك واضحاً في التعاطي مع حزمة المقترحات الأخيرة للدول الثماني الكبار.
الأرجح أن إيران ستبقى دولة كبرى في المنطقة بما لها من قدرات اقتصادية وعلمية وعسكرية. وسيكون من نتيجة الحرب دخولها في سباق تسلح نووي مع إسرائيل. وهي في الداخل رغم حال الناس المادية المتردية نتيجة سوء التوزيع إلا أنها تجهز لبناء قدرات المستقبل الاقتصادية. الخميس الماضي فقط أقرت الحكومة برنامجاً لبناء 62 مدينة صناعية وثمان مناطق صناعية في عشر محافظات. وتمضي بهمة في مشروعاتها الاقتصادية العملاقة المشتركة مع دول كثيرة في أميركا الشمالية وشمال أفريقيا والشرق الأوسط. ولو أن مصالح من هذا النوع كانت قد تمت بين إيران ودول مجلس التعاون لكان ذلك أساساً ليس للتعاون من أجل التنمية الشاملة للمنطقة فقط، بل ولحماية هذه المصالح المشتركة بإرادة سياسية مشتركة من أجل السلم وضد الحرب.
الأوان لم يفت بعد لتحريك هذه الإرادة السياسية لدرء الحرب تمهيداً لمستقبل تعاون تنموي لاحق.
 
صحيفة الوقت
14 يوليو 2008