المنشور

الاختناقات المرورية.. وحلولها؟


ها قد خفت الازدحامات المرورية، وعلى الأخص الصباحية المتزامنة مع مواقيت بدء الدوام الرسمي في القطاعين العام والخاص وذلك ما أن انتهى العام الدراسي وبدأت العطلة الدراسية..
 وهذا ما يؤكد كما ذكرنا مرارا اثر توافق بدء الدوامات في المدارس والمؤسسات الحكومية والخاصة في توقيت واحد في خلق الاختناقات المرورية الصباحية، وكذلك في خلق اختناقات ما بعد الظهر بعد انتهاء الدوامين الدراسي والحكومي في الوزارات.
 وستستمر هذه الانفراجة المرورية الجميلة كما هو مرجح وكما هو معتاد حتى نهاية العطلة الدراسية لتعود الاختناقات مجددا كما في كل عام على نحو أشد من العام الذي سبقه.
 إن هذا الانفراج في الاختناقات المرورية ليؤكد مجددا ما ذهبنا إليه مرارا بضرورة تجريب حل مباعدة مواعيد بداية ونهاية الدوامات فيما بين المدارس والمؤسسات الحكومية ثم فيما بين القطاع العام عن القطاع الخاص. ولكن حتى الآن التردد عن الإقدام على خطوة شجاعة من هذا القبيل هو الموقف السائد لدى أصحاب القرار في ديوان الخدمة المدنية ووزارة التربية والتعليم وإدارة المرور.
وبالنظر إلى صغر رقعة البحرين وزيادة معدلات الكثافة السكانية فيها بقفزات متسارعة وانعكاس ذلك على تزايد موجات السواق الجدد ودخول سياراتهم الجديدة شوارع البلاد، فضلا عن التوسع المتواصل في المدارس والخدمات الاستثمارية والعقارية وما يتطلبه هذا التوسع من زيادة في خدمات المواصلات والشحن ومن ثم زيادة أعداد العربات المخصصة لذلك بكل أنواعها وأحجامها في حين ان الشوارع تكاد تكون هي على حالها..
 إن استمرار كل ذلك لمن شأنه بكل تأكيد أن يضاعف من الأزمة المرورية إلى مستويات تنذر بالكارثة خلال العقد القادم. وبالتالي فثمة مهمة ملحة تفرض نفسها على إدارة المرور وعلى الأخص مخططو التوسعات المرورية ومعالجة الاختناقات المرورية بابتكار حلول إستراتيجية غير اعتيادية تسهم ليس في حل الاختناقات الراهنة بل تستعد لكيفية معالجة الاختناقات المستقبلية الأشد ومن دون ذلك فإن إدارة المرور ستجد نفسها مشلولة وعاجزة تماما عن فعل أي شيء فيما سيصل تذمر المواطنين إلى مداه وستؤثر الاختناقات المرورية في مجمل عملية التنمية في البلاد وسيأتي يوم سنكون فيه على رأس الدول الأشد اختناقا في الحركة المرورية بشوارعها، ولنتذكر أيضا ان جسر قطر سيفتتح بعد سنوات قليلة.
 واعتقد أن ثمة حاجة ماسة تفرض الاستعانة بخبراء فنيين ومهندسين كبار لمساعدتنا على معالجة الازدحامات المرورية من خلال تجريب حلول نوعية غير اعتيادية. وعلى سبيل المثال فلعل من المفيد هنا الإشارة إلى نوعين من الحلول جربتهما ألمانيا لمعالجة اختناقاتها،
 الاول:  تم تجريبه في مدينة ” بوهمته “، التي تعاني كثرة الإشارات والتقاطعات المرورية، وهي حالة تشبه حالتنا تماما، ووصفت كثرة هذه الإشارات والتقاطعات بأنها تربك السواق وتعطل الحركة المرورية. وقد قدرت دراسة لنادي السيارات الألماني عدد إشارات المرور في المانيا بأكثر من 20 مليون إشارة واعتبرت الدراسة إن 33% من هذه الإشارات لا لزوم لها بل تؤدي إلى تعقيد الانسياب المروري.
على أية حال تقرر إلغاء 30 إشارة مرورية في المدينة، وبعد هذا الإلغاء لوحظ التحسن الملحوظ في انسياب الحركة المرورية وتقلص حوادث الطرق بنسبة 50% كما أصبح جو المدينة أنقى مع تقلص رائحة البنزين والديزل.      
 ليس بالضرورة إن ما يصلح لمدينة في المانيا يصلح لنا في البحرين، ولكن العبرة هنا في إن ألمانيا قررت بشجاعة تجريب حلول نوعية غير اعتيادية لاصلاح أزماتها المرورية.
 أما النوع الثاني من هذه الحلول التي جربتها ألمانيا من واقع المعايشة والدراسة اليومية فقد كان في ولاية الراين الشمالي ووستفاليا الكبيرة إذ وجدت ثمة خطوط للسكك الحديدية قديمة متقاعدة عن العمل فقررت المدينة الاستفادة من هذه الخطوط بتخصيصها إلى طرق خاصة بالدراجات لتربط بين المدن والقرى التي كانت تمر بها قطارات تلك الخطوط مما سيسهم في تخفيف الضغط على الشوارع العامة ويؤمن سلامة مستخدمي الدراجات في التنقل بين المناطق المختلفة. ولا ننسى في هذا الصدد ان الكثير من مدن الدول المتقدمة تعمد الى تحديد مسار خاص بباصات النقل العام في الشوارع الكبيرة لا يسمح لأي عربة بالدخول في هذا المسار مما يسهم ليس في الانسياب المروري فحسب، بل وصول هذه الباصات إلى المحطات التي تمر بها في مواقيت محددة دقيقة دونما تأخير.
 
أخبار الخليج  12 يوليو 2008