المنشور

ثقافة الاستجداء .. مواطنـون أم رعـــايا؟!


قضيت ثلاثة أعوام من عمري المهني مسؤولة عن صفحة الملتقى اليومية وأزعم – إن حسن الظن- أني أبليت فيها حسناً.. كانت مهمتي تقتضي كتابة أو تحرير رسائل القراء الذين يتوافدون لنشر مناشدة أو شكوى أو نداء.. وكان نجاح الرسالة في الوصول لمرادها يأتي على قدر التذلل. بمعنى أنه كلما تجنبت الرسالة الإشارة إلى لتقصير أو ذنب المسؤول؛ بل وكالت له بعض المدح وكللت ذلك باستعطافه ورجائه والدعاء له إلخ.. زادت فرصة المواطن في الحصول على مراده !!

جلُّ هؤلاء المواطنين لم يكونوا يطالبون بما ليس لهم به حق.. ومع ذلك كانوا مطالبين بالتمسكن للحصول على حقهم المشروع.. ومن كان منهم يريد اعتماد ديدن آخر، طريق المواجهة والشكوى الزئر بالظلامة، كان يأتيه رد هجومي مسف من الجهة المعنية.. يكذبه ويمعن في تكذيبه وكثيراً ما تتجاوز إدارات العلاقات العامة الكذب والتكذيب باتهام الشاكي بأمر أو بآخر..
على صفحات الصحف أو سواها؛ نحن مطالبون باختصار أن نناشد ونتضرع ونتلطف في المطالبة بالحقوق.

لأننا لا نرى أنفسنا مواطنين بقدر ما نرى أنفسنا رعايا.. ولا نُعُامل كمواطنين أساسا بقدر ما نعامل كرعايا – والفرق بينهما لو تعلمون كبير- وهو أمر لا يجترئ العامة مرارته فقط بل والنخبة أيضاً..
 فمن يتصرف بعزة وكرامة واستقلالية – يُنبذ- ويخسر فرص تولي المناصب المهمة وإن استحقها تماماً.. أما من يطأطئ ويتملق فيصل إلى أعلى المواقع ولو كان ما كان.. فالمسؤول يجب ان يكون من الحاشية.. يجب أن يكون ذنباً لا رأساً. وليس لنا أن ننتظر من شخصية كتلك إن هي ما ظفرت بموقع مسؤول إلا أن تطالب بدورها الناس بتملقها واستجدائها..

كرة الثلج هي، تتضخم كلما تدحرجت، لتدوس على رؤوس الجميع.

كل تلك الأمور مجتمعةً أوقعتنا في مغبة مشكلة حقيقة. جوهرها أننا لا نملك القدرة على المطالبة بعقلانية وبنظام أو بمعنى أصح لا نعرف كيف.. تربينا على الطاعة والسمع وأخبرنا أن البديل هو التمرد.. لذا فنحن لا نعرف اللهجة الوسطية.. فإما أن نتذلل ونخشع أو نثور كالألغام الأرضية في وجه أول من يقترب منا ولو كان موظفاً صغيراً أو شرطياً لا قرار له ولا إرادة..!!

في الغرب هناك جماعات ضغط.. وهناك قوى تفاوض، تهاجم وتجامل.. هناك صحافة تناور وتتلون.. أما هنا فعليك أن تختار معسكر المتزلفين أو المعارضين.. وحذار أن تكون عواناً بين هذا وذاك لأن الاعتدال في قاموسنا يعني المراء والنفاق..!!

في عودة للموضوع نقول.. إن الاستجداء الذي صار جزءاً من ثقافتنا له ترياق.. نصف المناشدات والنداءات – إن لم يكن أكثر- يحلها القانون لو طُبق واستحكم، والأولوية لو قُدمت على المحسوبية، والنظام لو أعلي على الاستثنائات التي خلطت أوراقنا وضيعتنا..
ودونما كل ذلك فما لنا إلا استعطاف حقوقنا وتسولها، في مشهد لا نخاله يُرى في الدول التي تحترم مواطنيها.
 
الوقت  8 يوليو 2008