المنشور

لا توجد بطالة‮.. ‬‮”‬ كلام ماخوذ خيره ‮”!! ‬


لا أعرف لماذا يلجأ بعض المسؤولين إلى الاحتفاء بالأرقام الكبيرة كلما واجههم أحد بسؤال رقمي أو واجهتهم مشكلة تتعلق بقضية رقمية اضطرارية. ولعل أكثر الوزارات التي تحتفي بهذه الأرقام الهائلة وزارة العمل، فما إن يتعلق الموضوع بالبطالة والعاطلين عن العمل، إلا وتأتي الإجابة سريعة لا تحتاج تدقيقاً أو إعادة نظر، (وظفنا خمسة آلاف عاطل ولدينا -مثلاً- عشرة آلاف وظيفة شاغرة)، ولكن لم يذكروا مثلاً نوعية الوظائف التي وظفوا فيها هؤلاء العاطلين أو الرواتب التي يتقاضونها، هل هي معقولة أم دون الحد الأدنى؟ هل هي موقتة أم دائمة؟ بعقود أم دون عقود؟ وهل هي مضمونة على المدى البعيد؟ المهم بالنسبة إليهم ‘أننا وظفنا وخلاص وإن شاء الله لا يوجد عاطل في البحرين’.
 مجرد فرقعة إعلامية كي يعلم الكل أن البحرين لا يوجد فيها عاطل وأن المسؤولين عن شؤون العمل ‘قايمين’ بواجبهم تجاه العاطلين خير قيام، ولكن لو اقتربت من أغلبهم لاستمعت إلى ما يوجع القلب أو يفطر الفؤاد، فتخيلوا مثلاً خريجي جامعات يعملون في بعض الفنادق والمجمعات ‘سكيورتيه’ وباعة ملابس بأجر زهيد، ولا علاقة للوظيفة التي يشغلونها بتخصصهم، وقس على ذلك كثيراً من خريجي الجامعات، ولعل ابنة أختي واحدة من هؤلاء، فهي خريجة علوم سياسية من جامعة العين بالإمارات منذ خمس سنوات ولم يبق باب في البحرين إلا وطرقته بما فيها جهة الاختصاص وزارة الخارجية ولكن لم تجد أية استجابة من أحد على رغم المساعي ‘اللي اتقشر الوجه’، كما لو أنك تتسول حقك، بينما هناك من جاء بعدها بسنوات وبالتخصص نفسه وحصل على وظيفة بسهولة شديدة. وأمثالها كثيرون طبعاً، إذ اضطرت في نهاية الأمر إلى أن تعمل في أرشيف إحدى صحفنا المحلية، وهي وظيفة خارج الاختصاص تماماً ولكنها اضطرت إلى أن تتقنها بامتياز حتى ‘تاكل عيش منها’ وتقتل الفراغ أولاً وأخيراً. وما أكثر الوعود يا وزارة العمل ويا مؤسساتنا الحكومية والخاصة!
القضية ليست في الكم الهائل الذي نعلنه في كل سانحة إعلامية أو اضطرارية، القضية أكبر من ذلك بكثير، وأولها سؤال: ‘كم من الخريجين الجامعيين وظفوا في تخصصاتهم؟ وكم منهم وظف في غير تخصصه؟’، فلو اقتربنا بصدق من الواقع لوجدنا أن أغلب الخريجين -إن وظفوا- يعملون خارج تخصصاتهم وبأجور متدنية.
وأعتقد بأن صاحب الأجر المتدني لا يختلف في وضعه كثيراً عن العاطل أو الباحث عن عمل، فالراتب المتدني لا يمكن أن يحقق أدنى مراتب العيش الكريم للإنسان، فما بالك الآن مع ‘بركان’ ارتفاع الأسعار والغلاء المروع في كل شيء، هل يمكن والحال هذه الحديث عن أجر أو احتفاء رقمي بحل مشكلة البطالة؟ ولو اقتضى الأمر منا -من باب الاطمئنان ليس إلا- جمع الرواتب الكلية لمن تم تعيينهم وفق برنامج وزارة العمل، لاكتشفنا أن أجور خمسة آلاف وظيفة تعادل في حجمها الطبيعي أجور 200 وظيفة وربما من دون ضمان، فهل يعقل ذلك؟
 إلى من يتجه أبناؤنا إذا استمرت الحال على ما هي عليه؟ هل قدرهم البحث عن وظائف خارج البلد؟ هل هذا هو الحل؟ إذن لماذا الحديث عن التطور أو النمو الاقتصادي في البلد وزيادة الشركات والمؤسسات التي ستستوعبها البحرين وتحل قضية البطالة؟
لننظر إلى المشكلة بواقعية شديدة وبمسؤولية كبيرة من دون التذرع ‘اللي ماله لزوم وصار بايخ جداً’ بأن مشكلة البطالة عالمية وليست البحرين هي الوحيدة التي تعانيها، هذا ‘كلام ماخوذ خيره’، فالمؤسسات التي احتملت وغصت بكثير من غير البحرينيين بإمكانها أن تستوعب أضعاف أضعاف ‘عيال هالبلد’.
أعتقد بأننا بحاجة ماسة لدراسة ‘سوق العمل’ في المملكة وواقع البطالة وسوء توزيع الوظائف وانحشار كثيرين في مواقع وظيفية غير مناسبة لهم وحرمان آخرين من هذه الوظائف التي تتناسب وتخصصاتهم واهتماماتهم.
نحتاج دراسات ميدانية فعلية من الجهات ذات الشأن الرسمي العام تحصي عدد العاطلين عن العمل وأسباب البطالة والتخريجات التي تقود العاطلين إلى بر الوظيفة.
 نحتاج قراءة دقيقة لا تسمح لأحد بأن يكذبها أو يشكك فيها أو يعطي نتائج مغايرة لها. نحتاج إجابات عن الأسئلة التي يلهج بها أبناء بلدنا يومياً: لماذا نحن عاطلون؟ لماذا أصحاب الأجور المتدنية يتساوون مع العاطلين؟
في إحدى تصريحات وزير العمل لموقع ‘بي بي سي’ الإلكتروني قال: ‘إن البطالة قنبلة موقوتة وانفجرت ونحن مهمتنا مواجهتها’، كلام جميل، ولكن كيف نواجه هذه المشكلة إذا كانت التبريرات التي تساق بين فينة وأخرى تنأى عن معالجة المشكلة وتكتفي بالتعامل مع العاطلين من منطلق ‘سد الفراغ’، فما أسهل أن توفر للكل وظائف! ولكن ما أصعب أن تؤمن لهم ضمانات لاستمرارهم في هذه الوظائف! والبحريني بطبيعته يسأم الوعود بسرعة شديدة من كثرة عدم وفاء أهلها بها، فهل نركن الوعود جانباً ونعمل وفق ما تقتضيه الأمانة منا تجاه أبناء الوطن، وأقله العيش الكريم؟
 
الوطن 9 يوليو 2008