المنشور

الفضائيات الحكومية العربية


على الرغم من مرور اكثر من عقد ونصف العقد على انطلاقة الفضائيات الحكومية العربية فإنها مازالت تعاني اشد المعاناة من محاولات تطوير برامجها لتتسق مع المرحلة الجديدة بعد تحولها من البث الارضي الذي يقتصر التقاطه على القطر صاحب المحطة التلفزيونية الى البث الفضائي الذي يُعد بمثابة نافذة عالمية لاطلالة الدولة على العالم واطلالة العالم على الدولة. وعلى العكس من ذلك فإن البرامج التلفزيونية العربية بعد ان تحولت محطاتها الى فضائيات تسير من سيئ الى أسوأ في مختلف المجالات السياسية والثقافية والفنية والاجتماعية إلخ، واذا كان يمكن قبول اسفاف هذه البرامج وتخلفها في المرحلة الارضية باعتبار ان فضائح هذا الاسفاف والتخلف مستور بالبث الارضي الداخلي فإن ما لا يمكن فهمه او قبوله  استمرار ذلك في المرحلة الفضائية حيث عيون المشاهدين في العالم العربي بوجه خاص وفي العالم بوجه عام ستكون مصوبة على هذه البرامج مما يلحق أبلغ الضرر ليس بسمعة المحطة الفضائية العربية المعنية فحسب بل بسمعة الدولة صاحبة المحطة والشعب الذي ينتمي إليها بوجه عام بدءاً من المستوى اللغوي والثقافي للمذيع، بما في ذلك سلامة القائه اللغوي، ومروراً بمستوى البرامج المقدمة السياسية والثقافية والفنية والاجتماعية وليس انتهاء بمدى سعة هامش حرية التعبير المتاح التي تعكسه كل هذه البرامج بمختلف انواعها.
 واذا كان ثمة تطور نسبي تمتاز به بعض القنوات الفضائية العربية الخاصة في البرامج السياسية والثقافية والفنية فما ذلك إلا لان حجم البيروقراطية الادارية والتخفف الى حد ما من المركزية الادارية الحكومية المشددة والامكانيات المالية الاكبر نسبياً في هذه القنوات، كل ذلك أخف من المحطات الفضائية العربية.
 ومن المؤسف ان الاموال التي تغدق على الفضائيات العربية الحكومية هي أموال طائلة وبلا حساب، لكن من دون ان ينعكس ايجاباً على مستوى تطورها. كما ان الاعراف المتقادمة المسيرة لبرامج البث المحلي الارضي هي هي لم تتغير مع متطلبات المرحلة الجديدة من تحولها الى البث الفضائي، ولنأخذ على سبيل المثال لا الحصر واحداً من أهم البرامج السياسية لا بل أهمها على الاطلاق الا هو نشرة الاخبار التي تبث عدة مرات في اليوم تبعاً لتطور الاحداث المحلية والعالمية اذ مازالت على حالها من الطابع الرتيب الذي لم يتغير في سلم اولويات ترتيب قراءة الاخبار التي تبدأ من المحلية أي حتى لو كانت انباء روتينية عادية ثم بالانباء العربية فالدولية حتى لو كانت ثمة اخبار طارئة فائقة تعلوها أهمية فانها لا تعلو على تلك الاخبار المحلية. وفي هذا الصدد اعجبني مقال انتقادي كتبته الكاتبة الصحفية المصرية امينة خيري في جريدة الحياة السعودية عدد 19/12/2007م تقول فيه: «الى أي مدى تطورت نشرات الاخبار؟ في البداية كانت نشرة أخبار الحاكم: أين ذهب؟ ومن قابل؟ ومن هاتفه؟ ومن ارسل له بطاقة معايدة؟ ومن أشاد به؟ ومع اخبار الحاكم كان هناك كم لا بأس به من الأخبار، أو بالاحرى «البيانات« التي يود النظام ان يسقيها للشعب. وفي هذه الآونة، كانت الاذاعات الغربية الناطقة بالعربية متنفساً لكثير من الباحثين عن المعلومة، وليس مجرد البيانات الرسمية. ثم كانت البشائر الأولى للمعلومات من خلال الفضائيات الغربية الناطقة بلغة اهل بلادها، ثم أتى عهد الانفجار الفضائي، وبزوغ نجم الفضائيات العربية الاخبارية التي حققت الحلم المعلوماتي للملايين. فها هي المعلومة منطوقة ومصورة داخل ملايين البيوت. انها تنقل الحدث ملبية الغالبية العظمى من عناصر الخبر. ها هو الخبر ينقل لنا: من؟ وماذا؟ وأين؟ ومتى؟ وكيف؟ ولكن يبقى «لماذا« الحاضر الغائب في كل الاخبار وفي كل الاحوال. «لماذا« التي يبحث عنها المشاهد العربي منذ عقود طويلة مازالت غائبة، بل هي غائبة الآن أكثر من أي وقت مضى«.
 ولعل احد الاسباب الرئيسية لاستمرار هذه الحالة المتخلفة في اسلوب تقديم نشرات الفضائيات العربية يعود الى وصاية الحكام العرب على نشرات الاخبار، فالحاكم العربي يتوهم بأن شعبه كله مشغول بمتابعة كل شاردة وواردة فيما يتعلق بأنشطته اليومية وليس لدى شعبه أي اهتمام آخر سوى بمتابعة هذه اليوميات. ولاتزال عقلية اختيار اجمل المذيعات بغض النظر عن مدى كفاءتهن اللغوية والسياسية والثقافية العامة هي المعيار الذي يحكم خيارات معظم الفضائيات العربية. والحال ان اوضاع الفضائيات العربية الحكومية المأساوية لهي انعكاس صادق أمين للحالة السياسية الداخلية الناجمة عن القبضة الشمولية الحديدية على وسائل الاعلام من قبل الغالبية العظمى من الانظمة العربية وان بدرجات متفاوتة.
أخبار الخليج 9 يوليو 2008