المنشور

المنبر الديمقراطي‮ ‬والمقر‮.. ‬والكتاب الجديد لأحد نشطائها


باعتراف كل المؤرخين المنصفين لتاريخ البحرين السياسي، فإن جبهة التحرير الوطني البحرينية منذ تأسيسها في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي كانت الحركة الوحيدة التي صبت كل جهودها على تصحيح الأوضاع الداخلية ولم تنشغل بهموم الخارج والقضايا القومية مع كل تعاطفها مع القضية الفلسطينية وقضايا التحرر من الاستعمار في كل أرجاء الوطن العربي، من خلال وقوفها بجانب تلك القضايا دون المشاركة الفعلية فيها خوفاً من تشتيت جهودها.
 وهي الجبهة أو الحركة التي تم تأسيسها لتحرير البلاد من الاستعمار البريطاني وتحسين أوضاع المواطنين وإنهاء الظلم الواقع على العمال والطبقات الفقيرة الأكثر تضرراً من بقية الطبقات الأخرى، فهذه ليست منة على شعبنا بل أردت كشفها لمن لا يعرفون عنها.
وهذا ما شهد به أكثر من مؤرخ  لنضالات شعبنا البحريني في مرحلة هيمنة البريطانيين على بلادنا. وقد عُرف عن الجبهة اعتدال توجهاتها والبعد عن راديكالية المواقف، وتشكيلة عضويتها البعيدة عن الروح العنصرية. ولم يسجل لها منذ تأسيسها أي عمل عنيف سوى التخلص من رئيس جهاز الأمن ‘بوب’ ومساعده ‘أحمد محسن’ اللذين تجاوزا في عملية تعذيب المعتقلين ما لم تتحمله قيادة الجبهة.
هذا لا أشهد به أنا، وشهادتي مجروحة لأني من أعضائها، لكن المؤرخين شهدوا بذلك، ومن بينهم المؤرخ المعروف الدكتور عيسى أمين، رئيس جمعية الآثار والتاريخ البحرينية في إحدى محاضراته.
وجمعية المنبر الديمقراطي التقدمي المنبثقة من الجبهة، والوريثة الشرعية، من الجمعيات المعتدلة ذات التوجه الوطني بعد ولادتها في مرحلة بروز بقية الجمعيات السياسية في البحرين.
ومنذ تأسيسها كذلك، سواء في مرحلة العمل السري أو العلني بعد السماح الرسمي بقيام هذه الجمعيات، تثبت أنها بالفعل جمعية لم تتأسس لمشاغبة النظام والدفع باتجاه الفوضى في الشارع البحريني، بل من أجل دفع العمل الإصلاحي إلى الأمام وتشجيعه.
وكانت في مقدمة الجمعيات المعتدلة عند المواجهة مع الحكومة بالوقوف ضد أخطائها سلمياً لا من خلال التجييش وتوجيه الشارع في مرحلة إصلاحية أعقبت صدور مرسوم العفو العام الذي نتج عنه عودة المنفيين من الخارج وتبييض السجون من المعتقلين والسجناء السياسيين.
ويسجل المؤرخ المنصف أنها منذ خروجها كجمعية بارزة على سطح العمل السياسي ذات أعصاب هادئة، واختيارها لقيادتها يأتي من منطلق البحث عن عناصر ذات توجه وطني لم يعرف عنها التطرف دون تساهل في حق المواطن ودون مزايدة أو ارتباط بأية أجندة خارجية، خصوصاً بعد قطيعتها مع موسكو عقب سقوط الاتحاد السوفيتي، الراعي الحقيقي للاشتراكية في العالم.
 لهذا نجد أن من يتم اختياره للأمانة العامة والرئاسة شخص مثل الكاتب حسن مدن. وحتى في مرحلة النضال السري كانت قيادتها بعيدة عن التطرف، من أمثال المرحوم أحمد الذوادي الذي كان أميناً عاماً للجبهة حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى، وهو الذي اشتهر باسمه الحركي ‘سيف بن علي’. وكان المرحوم في أحلك فترات النضال لا تفارقه الابتسامة.
أذكر ذلك بمناسبة إصدار أحد عناصرها النشطة في مرحلة النضال السري كتابه الجديد عن البدايات الحقيقية للعمل الوطني للجبهة في الساحة البحرينية تحت عنوان ‘يوميات من انتفاضة مارس”1965 وهو المحامي محمد السيد الذي يذكر في بدايات يومياته: ‘لم تكن انتفاضة مارس 1965 برتقالية ولا بنفسجية ولم تكن من أجل تداول السلطة أو من أجل الاستيلاء عليها بشكل مباشر وغير مباشر مسكوت عنه. وهذا ما سنكتشفه من خلال أهدافها ومطالبها المشروعة التي أعلنتها القوى الوطنية أثناء الانتفاضة أو بعدها. ومع ذلك نستطيع أن نقول إن هذه الانتفاضة كانت ثورة لكن من نوع خاص، ثورة قوامها العمال وعمادها الجماهير الكادحة من جميع فئات شعب البحرين المسحوقة’.
 وبمناسبة القرار الذي اتخذته مؤخراً إدارة المنبر بشراء مقر متواضع لها من خلال تبرعات الأعضاء أدعو كل الشرفاء والمتمكنين من المواطنين إلى دعم الجمعية للخروج من حياة البدو الرُحل إلى الاستقرار. وكما ساعد عدد من قياديينا بعض الجمعيات الأخرى، فمن حق جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي أن تحظى بمثل هذا الدعم إن لم تكن أولى منها، أليس من حقها ذلك؟
وأود لو ألفت القراء إلى أهمية كتاب اليوميات؛ لأنه يمثل جانباً حساساً من التاريخ.
 
الوطن 21 يونيو 2008