المنشور

مواجهة إلكترونية‮ ‬غير طائفية‮ !!‬


 
لاشك في أن المواقع والمنتديات الإلكترونية التي تعلي من شأن الطائفية في مجتمعنا وتتخذها سبيلاً ومنهجاً في الحياة والسلوك، كثيرة ومتشعبة وعنكبوتية مخاتلة يصعب ضبطها في كثير من الأحوال، خصوصاً أن مجال الشبكة العنكبوتية واسع وهائل وهيولي مراوغ، وما يتم غلقه الآن يفتح في الآن نفسه باسم آخر وفي موقع آخر وهكذا، كما إن وسيلة مواجهة مثل هذه الشبكة بالإغلاق غير مجدية، وغالباً ما تفسر على أنها وسيلة الضعيف والعاجز والمتسلط أحياناً.
وممن يأتي هذا التفسير أو يسوقه؟ للأسف الشديد، تأتي من الضعيف نفسه أحياناً والذي يستخدم هذه المواقع ليثبت أنه الأقوى والأحق وإن كان ما يدافع عنه يسهم في إضعافه وإضعاف كيانه المجتمعي ويودي به في نهاية المطاف إلى حتف يكون ضحاياه عقلاء وأبرياء ووطن ومستقبل.
أعتقد بأن هناك طرقاً ومخارج كثيرة لمواجهة هذه المواقع والمنتديات المستفحلة في العالم كله غير طرق ووسائل الغلق، وأحدها وأهمها إنشاء مواقع ومنتديات إلكترونية تطرح رؤى تنويرية ومتعقلة تواجه ‘زحام’ الأفكار والأقلام الطائفية بالحوار وبالشفافية التي تدعو الآخر لقبولها كمرتكز للأخذ والعطاء. مثل هذه المواقع تفضي إلى مساحات أخرى متعددة قد يحرج فيها أهل ومروجو المواقع الطائفية والظلامية، وتعطي فسحة أخرى للمتابع لها أن يعيد النظر فيها ويثوب إلى رشده.
لا يمكن تحصين الناشئة والشباب ضد أفكار و’طلعات’ هذه المواقع وآثارها الخطيرة على الفرد والمجتمع من دون خلق بيئة صحية معلنة وواضحة وميسرة يسهم هؤلاء الناشئة والشباب في تطويرها واستمراريتها عبر ثقافتهم الإلكترونية والتقنية المعضدة بجهود تعي أهمية هذه المواقع ودورها الإيجابي في بناء فكر معتدل متى استثمرت بشكل فكري واجتماعي خلاق يعلي من شأن الوطن والانتماء له باعتباره وطناً للجميع لا للطوائف.
ومن الطرق والوسائل التي تحصن ناشئتنا وشبابنا من خطر الطائفية، بث برامج إعلامية وتثقيفية وتوعوية تبين خطر الطائفية وفكرها الإرهابي التدميري الموظف والمسخر بشكل مروع عبر المواقع والمنتديات الإلكترونية، وتكون هذه البرامج غير وقتية أو طارئة تستثمر في حالة طفح هذا الخطر الطائفي ثم تتوقف وتنتهي فاعليتها، ينبغي أن تكون متواصلة كي تكون فاعلة ومؤثرة، كما ينبغي أن تصدر عن فكر معتدل ومقبول من قبل الطوائف والأطياف كي يكون الحوار سهلاً وميسراً بين أهل الاختلاف من الطوائف، إذ لا يمكن أن تخف حدة خطر الطائفية (الإلكترونية) دون تدشين صرح هذا الحوار البرامجي المتبادل، خصوصاً أن بعض من غرر بهم تبنوا خط العنف واستهووه ومارسوه على أرض الواقع، لذا ينبغي تفهم هذه الطبيعة النفسية التي تضع الصبر والتأني جانباً من أجل إعلاء قيمة العنف والأفكار الطائفية في نفوسهم.
كثير من الشباب انخرط في تنظيمات إرهابية وانحاز بجنون لآفة الطائفة عندما سدت بعض أبواب التنفيس في وجهه وازداد التسفيه بحماسهم والازدراء لعواطفهم ومشاعرهم، وارتفعت نبرة الاستعلاء عليهم وعلى طرق المجادلة والمناظرة اللتين تسهمان في بناء قناعات صحيحة تقود إلى تبني وعي مستنير، لذا ينبغي الابتعاد عن الغلو في الطرح حتى لا يقابل بغلو مضاد منافذه المواقعية كثيرة والمسؤولون عنها ينتظرون على أحر من الجمر أتباع مثل هذا السلوك ‘الغلوائي’. 
بجانب تدشين وفتح مواقع إلكترونية مستنيرة مضادة لهذا التوجه الطائفي، ينبغي اقتحام مواقع هذا التوجه الخاصة ومواجهة المشرفين عليه والمحررين لصفحاته بخطاب عقلاني هادئ يحلل ويفكك وغير انفعالي وبعيد عن الصراخ وكيل التهم والقذف، وبالتالي نكون قد تمكنا عملياً من خلق أكثر من موقع للحوار ومواجهة الآخر في ما يتبناه من أفكار (وإنا وإياكم على هدى أو في ضلال مبين).
كما إن مواجهة هذه المواقع الطائفية ومن يؤازرها لا تأتي ‘بأشبهية’ فكرية إلكترونية واحدة، فتلك بلا شك مصيبة، ومثلما يقولون ‘كثرتها وقلة بركتها’، ينبغي أن تأتي عبر مواقع متعددة ومتنوعة، عامة ومتخصصة، لتثبت في نهاية المطاف غنى الفكر المعتدل والمستنير وتتيح فرصة واسعة للحوار مع الآخر وإن كان مختلفاً معك أشد الاختلاف، هذا التنوع والتعدد هو ما تفتقده المواقع والمنتديات الطائفية التي يهمها في نهاية الأمر إعلاء شأن الطائفة والتقليل من شأن العقل والوعي في مقابل ترجيح كفة الصوت الواحد والفكر الواحد.
إذن علينا أن نبحث عن سبل أخرى للتعامل مع هذه المواقع والمنتديات الإلكترونية أكثر جدوى وأكثر قدرة على التأثير وعلى تدشين لغة الحوار بدلاً من القطيعة التي لا يمكن أن يستوعبها الشباب ـ فئة الشباب بالذات ـ على أنها مخرج وخلاص من إشكالات مخاطر الطائفية، بقدر ما يفهمها على أنها تحد لطاقته و’تفلتاته’ وحجباً لمغريات نوازعه الذاتية، فالبحث في بحر الحوار قد يسهل مهمة الوصول إلى الشواطئ الآمنة، وما أحوجنا لذلك.
 
الوطن    4 يوليو 2008