المنشور

العرب وعقوبة الإعدام

قبل أيام قليلة احتفل المجتمع الدولي باليوم العالمي لمناهضة التعذيب. ومع ان الاذهان تذهب في الغالب الى ان المقصود به تعذيب النشطاء السياسيين ومعتقلي الرأي في السجون الا انه يمكن القول ان التعذيب لا تقتصر ممارسته على النشطاء السياسيين فحسب بل تمتد الى سجناء الجنايات والجنح والجرائم المختلفة في معظم سجون الدول الشمولية وحتى بعض الدول الديمقراطية. كما ان التوقيف في حد ذاته وأوضاع السجون والوجبات المقدمة والرعاية الصحية فيها كلها إذا ما كانت دون الحد الادنى الانساني المطلوب هي شكل من اشكال التعذيب بما في ذلك حرمان السجين من حقوقه الاخرى كحق التعليم والقراءة داخل السجن وحق الزيارات الدورية القريبة غير المتباعدة لذويه.
ولكن ماذا عن الاعدام؟ أليس هو ذروة التعذيب المفضي الى الموت؟ حقيقة لا أعرف عما إذا جهود المجتمع الدولي لمناهضة هذا النوع اللاانساني البشع للعقاب تشمل ضمن فعاليات اليوم العالمي لمناهضة التعذيب أم هناك يوم عالمي مخصص لمناهضة عقوبة الاعدام والتي ينبغي على اية حال تخصيص يوم في حال عدم وجود مثل هذا اليوم العالمي. مهما يكن مازلت أرى، كما كتبت مرارا، ان جهود المنظمات الحقوقية العربية ومنها منظماتنا البحرينية تكاد تكون معدومة لتعريف وتوعية الرأي العام في بلدانها بعواقب تنفيذ هذه العقوبة اللاانسانية غير المتحضرة والتي ترقى الى عقوبات المجتمعات البدائية فضلا عن القيام بكل الجهود وسبل الضغط الممكنة لحمل الدول العربية على التخلي عن هذه العقوبة، وبهذا فان منظماتنا الحقوقية تنتصب أمامها مهمتان متلازمتان لا سبيل لإنجاز الثانية منهما قبل انجاز الاولى وهما توعية مجتمعاتها بمخاطر العقوبة واقناعها بعدم جدواها، والثانية القيام بكل وسائل الضغط الممكنة لحمل دولها على الغاء هذه العقوبة.
قبل ايام قليلة افادت الانباء الواردة من استراليا ان رجلا استراليا أدين عام 1921 بجريمة اغتصاب وقتل صبية حكم عليه بالاعدام وتم تنفيذ الحكم فيه، ولكن بعد مضي 86 عاما اعترف القضاء الاسترالي وأصدر حكما جديدا ببراءة المعدوم وذلك بناء على ظهور ادلة جديدة قاطعة وعلمية توضح بجلاء تام الخطأ الذي وقع فيه القضاء الاسترالي، وأي خطأ هذا؟ انه خطأ لا يفيد في تصحيحه لا رد الاعتبار بالاعتراف ولا بالتعويض المالي ولو قدر هذا التعويض بكنوز الدنيا كلها وذلك ببساطة لان كل ذلك لن يعيد حياة المعدوم الضحية ولن يصحح سمعته التي تلطخت دهرا من الزمن. أما نموذج وحالات المظاليم المعدومين التي تماثل حالة المعدوم الاسترالي فهي بالملايين على امتداد التاريخ البشري منذ فجر اختراع أو سن هذه العقوبة الوحشية.
لقد انضمت مجموعة كبيرة من الاسرة الدولية الى الدول التي الغت عقوبة الاعدام في حين مازالت جل الدول العربية متخلفة عن اللحاق بالمجتمع الدولي الديمقراطي المحتضر الذي الغى هذه العقوبة. ومن المفارقات ان اجرأ اجتهاد ديني انساني ظهر لإثبات عدم تعارض الغاء العقوبة مع الشرع برز في ايران على يد احد مفكريها الذي لا يحضرني الآن اسمه وقد سبق ان كتبت عنه غير مرة، في حين لاتزال اغلب الدول العربية مترددة في الغاء هذه العقوبة ليس على المستوى الرسمي حكوميا وقضائيا فحسب بل على المستويات المدنية والشعبية، هذا مع العلم بأن عددا من دولنا العربية تعد في طليعة دول العالم في تنفيذ عقوبة الاعدام!

صحيفة اخبار الخليج
1 يوليو 2008