المنشور

القواعد الأمريكية في‮ ‬العراق وكوابيس الجوار

حمل الوفد العراقي‮ ‬الكبير برئاسة نوري‮ ‬المالكي‮ ‬رئيس وزراء العراق ملفين أساسيين وكلاهما لم‮ ‬يقنعا الطرف الإيراني‮ ‬بقدر ما اعترى اللقاء فتور وبروتوكول بارد،‮ ‬ففي‮ ‬ذهن الإيرانيين‮ ‬يعيش كابوس اسمه الجيش الأمريكي‮ ‬المحاذي‮ ‬لحدودهم منذ اللحظة الأولى التي‮ ‬دخل فيها ذلك الجيش،‮ ‬وقام بإسقاط نظام صدام معلنا انه جاء للمنطقة من اجل الحرية وإزالة كل الأنظمة الاستبدادية وإرساء الحريات والديمقراطية فيها فكانت تلك الرسالة موجهة لأنظمة عدة تفقد للمفاهيم والمصطلحات الأمريكية للحرية والديمقراطية حتى وان كانت قائمة على أسنة الرماح‮. ‬
منذ تلك اللحظة الكابوسية وإيران تواصل بناء ترسانتها العسكرية إلى أن بلغ‮ ‬بها الأمر ذروة المشروع النووي‮ ‬الذي‮ ‬بات موضوعا‮ ‬يقض مضجع دول الجوار مثلما‮ ‬يقض مضجع إسرائيل بشكل هستيري،‮ ‬فقامت قيامة المنطقة ولم تقعد حول ذلك الملف خوفا من انتشاره وبلوغه قمة الخطر ولكن الوفد العراقي‮ ‬لم‮ ‬يكن معنيا بالاستماع أو تقديم النصح للطرف الإيراني‮ ‬وإنما إيصال نقطتين هامتين هو طمأنة الإيرانيين بان الاتفاقية بوجود قاعدة أمريكية دائمة ليست موجهة إلى أحد‮. ‬هذا التطمين لم‮ ‬يقنع الجانب الإيراني‮ ‬مثلما الملف الثاني‮ ‬الذي‮ ‬قدمه العراقيون حول تورط الإيرانيين بمساعدة ميليشيات عراقية بالأسلحة وبكل أشكال الدعم‮. ‬
وعلى الرغم من أن الجميع‮ ‬يعرف من هي‮ ‬تلك الميليشيات التي‮ ‬ضبطت داخل العراق كجماعة جيش المهدي‮ ‬غير أن الإيرانيين لم‮ ‬يعترفوا بكلا الملفين لا التطمينات ولا التورط ولكن من حق الطرف العراقي‮ ‬أن‮ ‬يحمل الملفات إلى دولة مجاورة وصديقة تدرك أنها تؤيد تنظيما كحزب الدعوة،‮ ‬وهو جزء مكون وأساسي‮ ‬في‮ ‬الحكومة العراقية،‮ ‬ولكنه في‮ ‬الوقت ذاته‮ ‬يرتبط بالإدارة الأمريكية ارتباطا قويا فكيف إزالة تلك الثنائية المتناقضة ثنائية العلاقة بطهران وواشنطن بينما ظلت الحوارات متمحورة دون زحزحة بأن مشاكل العراق هو الاحتلال وهو خطاب حافظ،‮ ‬ولا‮ ‬يزال الإيرانيون‮ ‬يواصلون التشبث به دون أن‮ ‬يفصحوا مباشرة أن هذا الاحتلال قاب قوسين أو أدنى من حدودهم وهو بمثابة إنذار‮ ‬يدق نظامهم باستمرار،‮ ‬حيث تعلن دوما واشنطن إزاء الملف النووي‮ “‬أن خيار الحرب قائم‮” ‬حتى وان لم تستنفذ خيارات الحوارات السلمية وتقديم كل الحوافز إلى طهران شريطة التخلي‮ ‬عن برنامجه النووي‮.‬
‮ ‬لقد كان لقاء طهران‮ – ‬بغداد الأخير ليس إلا لقاء استهدف كل طرف منه الدفاع عن نفسه بشتى السبل دون الحاجة إلى الاقتناع بمعرفة رد الطرف الآخر وإقناعه فلدى صقور طهران قناعات ثابتة في‮ ‬حربها الأيديولوجية مع الشيطان الأكبر،‮ ‬وزاد من قناعتها عندما وصل إلى بلد الرشيد وسحب تمثال صدام في‮ ‬شوارعه،‮ ‬حيث فرحت طهران بذلك‮ “‬التمثيل للتمثال‮” ‬في‮ ‬الشوارع وحزنت بعمق لشعورها المرير بوجود الاحتلال وانتشار الجيش الأمريكي‮. ‬وبحوار بغداد مع القيادة العسكرية والسياسية الأمريكية حول توقيع الاتفاقية العسكرية الطويلة الأمد والثابتة بوجود القاعدة زالت كل التخمينات والتخرصات عن مسألة وجود الجيش الأمريكي‮ ‬مؤقتا وأهمية انسحابه التدريجي‮.‬
فكل تلك الأوراق الانتخابية أو الدعاية لا تلغي‮ ‬البعد الاستراتيجي‮ ‬لأهمية المنطقة ونفطها وثرواتها،‮ ‬خاصة وان وجود القاعدة الحيوية في‮ ‬العراق استكمال للطوق الخليجي‮ ‬والتركي‮ ‬لدول الجوار المستعصية على الرضوخ‮. ‬من رفضوا وجود القاعدة الأمريكية في‮ ‬الداخل والجوار لا‮ ‬يعني‮ ‬ان آخرين لم‮ ‬يفرحهم حضورها الدائم فإسرائيل بحاجة لطوق من الأمان العسكري‮ ‬في‮ ‬ظل التصعيد الإيراني،‮ ‬وفي‮ ‬ظل القوى الإسلامية التي‮ ‬تعلن باستمرار ضرورة إزالتها وتراها إسرائيل تهديدا لوجودها وللسلم في‮ ‬المنطقة في‮ ‬وقت ترى جميع الأنظمة المختلفة والمتفقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل،‮ ‬ان محاربة الإرهاب والتشدد الإسلامي‮ ‬مسألة أساسية كما هو تنظيم‮ “‬القاعدة‮” ‬الذي‮ ‬تجد الحكومة العراقية شوكة هددت أمنها وكان من الضروري‮ ‬أن تبدأ القوات الأمريكية التمشيط المركز على القاعدة من جهة وميليشيات الصدر من جهة أخرى‮. ‬لهذا كان على حكومة المالكي‮ ‬أن تغلق منفذا لذلك القلق بإبلاغ‮ ‬الإيرانيين أن‮ ‬يكفوا عن تزويد تلك الميليشيات بكافة أشكال الدعم تحت حجة مقاومة الاحتلال الأمريكي،‮ ‬فكان على وفد بغداد أن‮ ‬يوصل إلى المرجع الأعلى وحكومته بأن القاعدة الأمريكية صيانة للنظام وحدوده من كافة أنواع الاعتداءات الداخلية والخارجية‮. ‬
فإذا كانت هناك أطراف تقلقها تلك الاتفاقية فان هناك أطراف أخرى تباركها،‮ ‬ففي‮ ‬دول الجوار‮ ‬يوجد العديد من القواعد الأمريكية فلماذا تتدخل إيران وغيرها في‮ ‬الشأن الداخلي‮ ‬لسياسات الدول؟ في‮ ‬وقت تواصل من وراء الكواليس تدخلها الدائم بينما تردد من جهتها اسطوانة حق الشعوب والأنظمة اختيار نظامها السياسي‮.. ‬فهل كل مكونات الشعب العراقي‮ ‬وأحزابه ونظامه متفقة على فهمها لطبيعة القواعد الأمريكية في‮ ‬بلدانها؟‮! ‬
عجيب أمر طهران فيوم دخول حزب الدعوة القادم من طهران متجاورا مع جحافل الجيش الأمريكي‮ ‬لإسقاط صدام باركته في‮ ‬الخفاء وتعاونت معه،‮ ‬أما اليوم فإن ميزان تلك السياسة أصبح خنجرا في‮ ‬الخاصرة خاصة وان إيران تدرك ما هي‮ ‬طبيعة تلك القاعدة وكيف ستدور الرادارات وتحلق طائرات التجسس ليلا ونهارا في‮ ‬فضاء مفتوح حولها من كل الجهات ابتداء من تركيا وآسيا الوسطى وباكستان وأفغانستان وانتهاء بمياه الخليج حتى قمم كردستان‮. ‬فهل بات‮ ‬يقلق إيران تنظيم القاعدة في‮ ‬لبنان بقيادة العبسي‮ ‬وتعكر صفوها وتقض مضاجعها أم تنظيم‮ »‬القاعدة‮« ‬والقواعد الأمريكية في‮ ‬العراق فقط؟‮!
 
صحيفة الايام
24 يونيو 2008