المنشور

المرأة والقاطرة التاريخية


تابع العديدون الانتخابات الكويتية، وتزداد تلك الأهمية لمن يهمه شأن حقوق المرأة الأساسية والدستورية القائمة على الحقوق الكاملة ما بين المواطنين ذكورا وإناثا دون تمييز، وتزداد تلك الاهتمامات لمن يرون في نضالاتهم التاريخية السرية والعلنية كم دافعوا عن حقوق المرأة، في تاريخ نضال الشعوب دون استثناء، عندما كانت قاطرة التاريخ لا تتحرك إلا بضرورة وجود المرأة فيها كونها المعادلة الثنائية الشرعية للوجود الإنساني، ومن يحاول جعلها أداة لغاياته واستغلاله لوجودها فإنه هزم في محطات كبرى في التاريخ.
عندما نجول بشريط الإنسانية أمام أعيننا ونرى اليوم أين تقف المرأة وأين كانت خلال القرون الثلاثة الماضية نلمس تلك الحقيقة، وكيف عملت مع كل الثورات الجبارة في تاريخ الإنسانية. فهل نصا ب بخيبة أمل أبدية لمجرد أن المرأة في الكويت لم تنجح في الانتخابات الأخيرة، فنبدأ اللطم على الخدود وشق الملابس والبكائية والانغلاق في دائرة اليأس؟
 إن جردة بسيطة على الواقع الكويتي ومثله الواقع العربي والإسلامي برمته وان – تفاوتت النسبة الضئيلة بين بلد وآخر – فان واقع المرأة يبقى مجرد شكليات وديكورات وهمية نخدع فيها أنفسنا؛ فالمهم دائما أن تستطيع الحركة النسوية أولا والمجتمعية ثانيا  أن تزاحم المجتمع الذكوري المعادي لهما وتزيل الغبار عن تبعية وعي المرأة للرجل لكي لا تسقط المرأة تحت عباءتين سوداويتين.
 الأولى شعورها بأنها لا تؤمن بقدرة المرأة نتيجة لإقناع الرجل الذكوري لها بأكذوبة تاريخية.
 والثانية الاغتراب الذاتي عند المرأة لذاتها بأنها مستلبة دون إرادة حقيقية وبأنها مخلوق مكبل ومحدد الإرادة، صنعت له دوائر يتحرك فيها كدائرة المطبخ وحلقة الاستيلاد والتربية.
ولكن مع حركة التاريخ هدم المجتمع والمرأة من ضمن نضالات العملية التعليمية بأن تفرض حضورها في الجامعات والوظائف، فتم إزالة أهم عقبة تاريخية وهي كسر جدران البيت والخروج إلى فضاء عام واجتماعي. واليوم مع سرعة وزخم الثورة المعلوماتية وجد الفكر الظلامي وجميع المنهجيات المتخلفة نفسه مجبرا على استبدال جلده، فحتى الأمس القريب كانت المرأة كائناً – بفعل تحوير تفسيرات المواد الدستورية – ثانوياً في خطاب وثقافة المجتمع ووعيه المشوه، فنجح الصوت المناهض للمرأة بمنعها من المشاركة في العملية السياسية، فعرقل مشاركتها في التصويت والترشيح، ولكن منطق التاريخ المتفائل دائما بانتصار حركة الحياة يفرض نفسه على كل خطاب ذكوري معادٍ للمساواة الكاملة.
 وحينما يبدأ الضغط المائي يهدد بتفجير السدود فان البحث عن فجوات التنازل تصبح ممكنة التحقيق، فأصبحت المرأة الكويتية منتصرة حينما تم انتزاع حقها رسميا بشرعية دستورية أن تقترع وترشح مثلها مثل الآخرين، فهل نستهين بخطوات عملاقة في التاريخ المظلم بأكثر من ذلك؟!
تبقى هناك عوائق ليست هي انتخابية مجردة وصناديق اقتراع مفصولة عن حبلها السري، فالوعي الاجتماعي العام النسائي والرجالي لا يزال بحاجة في البيت والمدرسة والمجتمع وغيرها من كل زوايا حياتنا إلى تغيير مفاهيمه المطلقة المرتبطة بإرث اجتماعي عمره قرون، وبذلك تناضل المرأة ليس في زمن الحملة الانتخابية القصيرة وحسب، وإنما تكابد ذلك الإرث البارز في لحظة الحملة وتكتشف ظلاله الكثيفة بشكل ملموس والتي من خلالها تتذكر ان السدود ليست في العلاقات الإنسانية بين المرأة المترشحة والناخبة وإنما في المكونات التاريخية المرتبطة بالإرث الأبوي والمجتمع التقليدي، فعند المجتمع يبقى هناك شعور ان المرأة لا تفهم في كل الأمور ولا تصلح لكل الأمور ومن أهمها البت في الشأن السياسي داخل البرلمان، حتى وان حملت المرأة شهادة عليا في القانون، ففي عرف النساء والرجال المنتخبين ان قبة البرلمان مسألة سياسية بحتة ولا شأن للتشريع والقوانين فيها. فكيف يفهم رجال القبيلة، نساؤها ورجالها، هذه المسألة حتى وان كانت ابنة القبيلة تعلمت في باريس القانون وعادت من بريطانيا تدّرس القانون!
من هنا علينا أن نناضل وفي مقدمتنا المرأة صاحبة القضية الأولى المعنـية في الدفـاع عن حـقوقـها، أن تواصل مسـيرة كفاحها الثابت والدائم من اجل تأكيد ذاتها قبل الانتخابات وأثناء الانتخابات وبعدها لكي تهزم مرة ومرتين وثلاث لتفوز في الرابعة، فكل عمل الإنسان وتقدمه هو ماراثون طويل في كل مجال وجانب، فهل تستكين النساء بعد نتائج بدت خطوة ايجابية في تفحص الأرقام والمناطق والبحث عن نقاط الخلل والاستعداد من لحـظة انـتهاء الفرز لجولة قادمة، فصنع التاريخ لا يأتي كنزوة عابرة وحماس يختفي للأبد وإنما انتزاع ذلك التاريخ الذي صنعته الإنسـانية من اجل الحرية بإرادتها، وهل هناك حرية أهم من حرية المرأة، التي تفوق مسألة المقعد النيابي، فهو يذهب ويأتي مثل كل مواسم الحياة المتغيرة.
 
الأيام 13 يونيو 2008