المنشور

نلوم الدولة أم نلوم المجنسين..

عندما نزلنا في مطار جدة كان طابور المعتمرين بمدّ النظر، ورغم أن المطار لا يفرد رسمياً معبراً خاصاً للخليجيين إلا أن موظفاً ارتأى تخصيص كشك لهم لما رأى الزحام. وفي ثوان معدودات تدافعت عشرات العائلات الخليجية للمعبر الجديد ومن بينهم عائلة آسيوية تكتسي بالبنجابي التقليدي. تنبه الشرطي لهم بالطبع وسارع لإبعادهم ولكنهم لم يفهموه لمَّا كلمهم بالعربية كما لم يفهموه حتى بالإنجليزية -لرداءة لفظه على الأرجح- وما إن استوعبت الأسرة مقصده حتى رفعت جوازاتها البحرينية في عين الشرطي الذي فغر فاه وتولى عنهم متبرماً وسط تعليقات الخليجيين الموجودين الساخرة!!
هذا الموقف يتكرر إجمالاً في كثير من المطارات؛ أناس منحوا الجنسية البحرينية حديثاً ولازالوا متمسكين بأزيائهم ولغتهم وكثيرا منهم لا يتكلم العربية أصلاً؛ رغم أن قانون الجنسية يشترط بشكل واضح ‘ فقرة ج-6 من القانون’ أن يجيد المجنس اللغة العربية ولكنه بند يتم القفز عليه -تماماً- كما يتم القفز على غيره من البنود!!
منعتني الكياسة من ذكر الموقف أعلاه للفاضل الذي زار ‘الوقت’ أخيراً مطالبا بعدم ذكر كلمة مجنس أو مواطن من أصول عربية -بأي شكل- في الصحافة مشدداً على ما في هذا اللفظ من تمييز غير دستوري وملوحاً بإمكانية مساءلة الصحف التي لا تلتزم قضائيا.. الفاضل تجاهل ، أو ربما لم يكن يعرف، أن لفظة المجنس وردت في القانون البحريني نصاً تحت بند المسميات إذ ورد:
المتجنس: تعني كل شخص منح الجنسية البحرينية بمقتضى أحكام المادة 6 من قانون الجنسية.
في حديثنا سألته بوضوح إن كان – كمجنس نخبوي- يشعر بالتمييز فأكد بأنه لم يشعر به إلا في السنوات الـ 3 الأخيرة.. ما قاله يتوافق بشكل كامل مع الواقع ويبرهن عليه.. فقبيل العام 2001 كان التجنيس انتقائيا؛ كنا ننظر لمن مُنح الجنسية أنه من ذوي المكانة والحظوة.. كانت الجنسية عندئذ تمنح للأطباء والصحافيين والمستشارين ورجال الأعمال.. أما بعد أن أصبحت تمنح لمن هب ودب فقد اختلفت النظرة تماماً..
قبل سنوات لم يكن التمييز ضد المجنسين واقعا.. أما اليوم فهو واقع وله استحقاقات مؤجلة الدفع.. فالاحتقانات والأحقاد التي تتولد في نفوس هؤلاء جراء النظرة الدونية لهم ستتضح -لا في جيل الآباء- بل في جيل الأبناء والأحفاد الذين سيولدون مؤمنين بأنهم كاملو المواطنة ولن يقبلوا بما دون ذلك؛ ما سيحولهم لبؤر توتر لا للشعب فحسب.. بل للحكومة والسلطات أيضاً.!!
ذاك الوضع -للأمانة- ليس ذنب هذا الغريب الذي قدمت له الحكومة البحرينية فرصة حياة أفضل له ولأبنائه فاقتنصها. ولو تأتى لبحريني عاطل مطحون أن يهاجر ويستقبل بالسكن والعمل والجنسية لما عاف ذاك.. وعليه فاللوم على من جنسهم بعيداً عن سدة القانون.. يتبع ..
 
صحيفة الوقت
8 يونيو 2008