المنشور

خليفة اللحدان.. الإنسان والفنان

وصلتني من الصديق الزميل الخطاط المبدع الاستاذ أحمد سرحان سطور من الخواطر كتبها من وحي حبه وعرفانه لصديقه الفنان التشكيلي والشاعر الاستاذ خليفة اللحدان والذي جمعته معه 15 عاما من سنوات الجمر العجاف والعزلة عن العالم. وعلى الرغم من خصوصية هذه الخواطر فإنها تفيض بمشاعر عفوية انسانية عامة صادقة، وتنطوي على قيم سامية عالية مفعمة بالروح الوطنية التي تجسد العلاقة بين نموذجين من آلاف، بل عشرات آلاف النماذج في التآخي الفطري الصادق بين ابناء مكوني نسيجنا الاجتماعي المشترك الواحد، وعلى الاخص في ذلك الزمن الوحدوي الجميل قبل افوله ويفسد مناخه المفسدون في الارض.
وفي هذه الخواطر الجميلة الممتعة يتساءل صاحبها سرحان، وهو بالمناسبة من مواليد قرية النويدرات: “.. فإذا عزمت البحث عن نصير لك في هذا الزمان فأين أنت عن ابن الكرام الآتي إلينا من البديع الشهباء؟”. وبالنظر لما لهذه الخواطر النثرية الفنية من دلالات ودروس جديرة بالاتعاظ في زماننا الرديء هذا الذي وصفه صاحبها عن حق بـ “زمن الردة” فاننا نثبت تاليا نصها الكامل تعميما للفائدة.
رجل عرفته في زمن سنيه من الصدق عجاف، عرفته في زمن الردة الذي نعيشه لا نعرف من أهله إلا الزيف والخداع، نصبح فيه على كذاب ونمسي على منافق حتى ملت اسماعنا منهم القيل والقال. هذا الزمن العجيب الذي انقلبت فيه الموازين رأسا على عقب يتوارى فيه عن الانظار الرجال الشرفاء ويدب فيه على السطح كل من آمن بالكذب صدقا وبالرذيلة فضيلة، في زمن لا نرى فيه سوى صناع الرمز حتى راح الآلاف رموزا لا تجارى فضاقت بهم الارض بما رحبت.
تشرفت ان أكون صديقا للشاعر الانسان خليفة محمد خالد اللحدان، ومن حسن طالعي ان جادت عليّ الاقدار ان اكون احد معارفه، شاطرته وشاطرني الحزن والفرح في زمن أطل علينا بنكده وقل فيه الناصر وكثر فيه جحود القريب قبل البعيد والصديق قبل العدو فأي زمن هذا؟! لعل احلى ما في النوائب استخلاص العبر ومعرفة الاصدقاء الشرفاء، وانتقاء من المعادن اصيلها، فمن رحم المحنة وشدة أوارها عرفت خليفة اللحدان الصديق الحميم والرجل الشريف العنيد في مواقفه.
ومن تجربتي تبين لي ان كمثل خليفة الانسان يغنيك في مصداقيته عن كذا عددا من البشر عشنا معهم ايام الصبا والشباب ردحا من الزمن الذين راحوا كالسراب يحسبه الظمآن ماء. تشكل صداقتي مع خليفة نقطة مضيئة في أهم محطة من محطات حياتي لما تحويه هذه العلاقة من قيم انسانية كبرى أكدت لي وبدون شك صدق هذا الرجل ومعدنه الاصيل، فهو الصديق الوفي والانسان البار والفنان المبدع. هو بين الشعراء مبدع في شعره، وفي الرسم صاحب لون بديع وكثيرا ما كان يستشيرني في موازين شعره المعبّر واختيار المفردات المؤثرة. تفرحني مواويله العذبة، وايقاع لحنها الجميل، المتضمنة صدق الكلمة وقوة التعبير، فكلما طلع علينا في سماء الشعر شاعر برز دونهم شاعرا متألقا، يجيد اختيار كلمته ليتأثر بها ويؤثر. وفي فن الرسم والتشكيل فصاحب ذوق رفيع وحس مرهف، ينقلك من الخيال الى براح الواقع فينير بازميله فضاء لوحته، وله من الاعمال ما يسر بها الخاطر وترتاح لها النفس، منها ما عاينتها ومنها ما اقتنيتها.
وعن انسانيته فالحديث يصعب حصره، فإذا عزمت البحث عن نصير لك في هذا الزمان فأين أنت عن ابن الكرام الآتي إلينا من البديع الشهباء؟ لتكفيك مواقفه المشرفة الشاهدة له بالعزة والكرامة، شهد له كل من عايشه، وأشهد الله انه كان لي عونا وسندا في كل موقف تعرضت إليه في أتون المحنة ومازالت زياراته لي تتردد وسلامه يراوحني بين الفينة والاخرى.
ولي الفخر والاعتزاز ان اشيد بوطنية خليفة اللحدان واخلاصه لأهله وناسه بثباته الراسخ، فهو أحد المؤمنين حقا بوحدة الكلمة والصف تجلى ذلك بكرهه الشديد للطائفية البغيضة ومروجيها وفاءً لذاته الكريمة، فلا فرق عنده بين السني والشيعي وبين الصغير والكبير، فمؤشر بوصلته هو الانسان بإنسانيته مهما كان موقعه أو دينه أو انتماؤه العرقي والمذهبي. فرجل كهذا بيننا نعمة لمن يلازمه ومفخرة لمن يصادقه، وشهادة عز وإباء لأهله وذويه.
 
صحيفة اخبار الخليج
7 يونيو 2008