المنشور

من قضايا حقوق الإنسان المحلية

كتبت غير مرة في هذا المكان طوال السنوات القليلة الماضية منتقدا ظاهرة توظيف المساجد والجوامع والمآتم والحسينيات للأنشطة والاعمال السياسية باعتبارها مؤسسات دينية عامة مخصصة حصرا للأنشطة والاعمال الدينية وهي اماكن دينية مقدسة “عامة” لمختلف فئات وعوام الناس على اختلاف مشاربهم الفكرية والثقافية وليست حكرا على تيارات حزبية محددة ايا تكن ما تحمله من نعوت وتوجهات دينية – سياسية، وكان يفترض في جمعياتنا السياسية – الدينية، وبخاصة بعد تطبيق قانون الجمعيات السياسية، ان تنتبه جيدا من خطأ توظيف المآتم العامة وتسخيرها لأنشطتها الحزبية. فالمأتم له قدسيته الخاصة، وله وظيفته العامة الدينية الجليلة وليس مقرا حزبيا.
ومع تفهمنا الكامل للمبررات الاضطرارية وضعف الامكانيات والموارد التي لا تتيح للجمعيات السياسية الاسلامية عقد انشطتها في صالات عامة مدنية غير دينية، فان ذلك لا يبرر البتة التمادي في هذه الظاهرة حتى تتكرس وتصبح عرفا خاطئا بكل المقاييس ليس في قواعد العمل السياسي العام فحسب، بل وفي اختلال شروط المنافسة المتكافئة بين الجمعيات السياسية بحيث تكون هناك جمعيات سياسية قادرة من خلال هويتها الدينية على احتكار هذه المآتم والجوامع وتوظيفها لانشطتها السياسية والتنظيمية، فضلا عن توظيفها كأماكن عامة جماهيرية للدعاية السياسية والتعبئة الحزبية، فيما تظل في المقابل هنالك جمعيات سياسية اخرى محرومة من هذه الميزة حتى لو ارادت مجرد عقد ندوة سياسية عامة يحاضر فيها ضيف عربي حول قضية عربية آنية فما بالك بقضية محلية؟ هذا بخلاف اضطرارها لاستئجار صالات مدنية عامة مدفوعة الثمن في ظل مصادرة حقها في عقد الندوات والانشطة السياسية في تلك الجوامع والمآتم والحسينيات العامة.
ولما كانت هذه الظاهرة مستمرة منذ ما قبل صدور قانون الجمعيات على امتداد السنوات السبع الماضية، أي منذ صدور الميثاق الوطني، حتى كادت أن تصبح عرفا في ظل صمت الجهات القانونية الرسمية المعنية إلى ان بوغتت بعض الجمعيات الاسلامية مؤخرا بموقف وزارة العدل المعارض لممارسة هذه الانشطة السياسية والحزبية في المآتم، فالمأمول الآن بعد احترام “الوفاق” لهذا الموقف أن يأخذ بعدئذ القانون مجراه في التطبيق مستقبلا بكل حزم وجدية ويكون ساريا على الجميع من دون استثناء ويطبق على كل أماكن العبادة بما في ذلك الجوامع والمساجد في كل اماكن البلاد قاطبة. 
سبق ان كتبت غير مرة في هذه الزاوية مشيدا بتجربة مصر في انشاء المجلس القومي لحقوق الانسان والذي شكل من نخبة ممتازة من الشخصيات الحقوقية الرسمية والاهلية ورموز من الاكاديميين والمثقفين والكتّاب الصحفيين وخلافهم على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم السياسية والدينية والاجتماعية فضلا عن عدد من الشخصيات النسوية. وعلى الرغم من الطابع الرسمي لتشكيل المجلس، فإن هذا القدر من التنوع وانضمام اليه عدد معقول من الاعضاء المعروفين بحيادهم واستقلاليتهم عن الحكومة كل ذلك اكسب هذا المجلس قدرا من التوازن والمصداقية في اعماله وتقاريره الدورية وقراراته امام الرأي العام المحلي والعالمي بما يصب في صالح سمعة المشروع الاصلاحي المصري وبخاصة في ظل اعتماد منهجية متوازنة بين النقد المعتدل، والاشادة بالتطور في حالة وجوده لدى رصد سجل الحكومة المصرية لحقوق الانسان.
وكنت قد اقترحت أن تقدم قيادتنا السياسية وحكومتنا على الاقتداء بمثل هذه التجربة المصرية عند العزم على تشكيل المؤسسة الرسمية العامة المعنية بحقوق الانسان. أما وقد زفت لنا الصحافة المحلية مؤخرا خبر قرب تشكيل الهيئة الوطنية لحقوق الانسان وان ثمة توقعات بأن يُضم في عضويتها لفيف من الشخصيات الحقوقية العاملة في جهاز الدولة وفي العمل الحقوقي الأهلي العام فضلا عن بعض الرموز الاخرى من المثقفين فلا يسعنا الا ان نبارك لقيادتنا السياسية ولحكومتنا هذه الخطوة، آملين ان تكون فاتحة خير نحو تطوير النشاط الحقوقي المؤسسي المتصل بحقوق الانسان في المملكة، وأن تكتسب الهيئة الجديدة، كمجلس حقوق الانسان المصري، السمعة الدولية الجديرة بها كمؤسسة حقوقية وطنية بحرينية تتمتع بحد ادنى من المصداقية وبقدر معقول من النزاهة في تقاريرها وقراراتها.
بقدر ما تستحق الجهود والمساعي التي يقوم بها وزير الدولة للشئون الخارجية نزار البحارنة للإفراج عن المواطنين الثمانية المحتجزين في الرياض الشكر والتقدير، ومنها التقاؤه مع ذويهم والاستماع إلى ملاحظاتهم وشكاواهم حول هذه القضية الانسانية التي أقضت مضاجعهم واقلقت زوجات الموقوفين واطفالهم الذين طال بعد آبائهم عنهم.. بقدر ما نأمل أن تتعزز هذه الجهود الرسمية، كما ذكرنا الاسبوع الماضي، بجهود حقوقية اهلية موازية من خلال تشكيل وفد مشترك للالتقاء بالحكومة السعودية الشقيقة أو بالجهات المعنية الاخرى كمجلس الشورى ومجلس حقوق الانسان السعودي، ولاسيما ان مؤسساتنا الحقوقية تتمتع بالشرعية القانونية. ونحن على ثقة بأن حكومة خادم الحرمين لن تتوانى عن ابداء استعدادها التام للتعاون مع أي وفد رسمي او وفد اهلي حقوقي من شقيقتها مملكة البحرين لإجلاء الغموض الطويل الذي يلف هذه القضية الانسانية، وتسهيل كل ما يمكن لتسويتها وانهائها سريعا بين البلدين الشقيقين بعيدا عن تدخلات المنظمات الحقوقية الدولية أو أي جهات خارجية اخرى.
 
صحيفة اخبار الخليج
2 يونيو 2008