المنشور

‬صناعة “‬التعصب”

شاركت في‮ ‬ملتقى استضافته إمارة الفجيرة بدولة الإمارات العربية المتحدة للبحث في‮ ‬قضايا التنمية الثقافية العربية،‮ ‬تميز بمشاركة مثقفين وفنانين أجانب‮.‬ وجدت في‮ ‬ذلك أمراً‮ ‬لافتاً،‮ ‬فلقد اعتدنا أن نتحدث إلى بعضنا بعضاً،‮ ‬ونقول الكلام الذي‮ ‬يصادف هوى في‮ ‬نفوسنا،‮ ‬لكن من النادر ان نجلس مع ممثلي‮ ‬الثقافات الأخرى على طاولة واحدة،‮ ‬لا لنقول فقط ما نفكر فيه،‮ ‬وإنما نسمع كيف‮ ‬يفكر الآخرون،‮ ‬وكيف‮ ‬ينظرون إلى قضايانا وقضايا عالمنا المعاصر‮.‬
ورغم أن موضوع الملتقى الذي‮ ‬استضافته هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام التي‮ ‬تديرها مجموعة من شبان الفجيرة المفعمين بالحماس والهمة والمأخوذين بالانشغالات الثقافية،‮ ‬كان‮ ‬يتصل بموضوع ثقافي،‮ ‬إلا أن الحوار لامس القضايا الإشكالية التي‮ ‬يواجهها الفكر لا في‮ ‬عالمنا العربي وحده،‮ ‬وإنما في‮ ‬العالم كله‮.‬ كان هناك ضيوف من سويسرا وهولندا وألمانيا وبنغلاديش،‮ ‬وهؤلاء‮ ‬يتبوأون مواقع قيادية في‮ ‬مؤسسات ثقافية وفنية لا في‮ ‬بلدانهم وحدها،‮ ‬وإنما في‮ ‬هيئات ثقافية دولية،‮ ‬مما‮ ‬يجعلهم على تماس مع قضايا الحوار بين الثقافات والحضارات المختلفة،‮ ‬ليقفوا على المشتركات بين هذه الثقافات وعلى أوجه التمايز والخصوصية أيضاً‮ ‬في‮ ‬كل ثقافة على حدة‮.‬
لفتت نظري‮ ‬مداخلة قدمها ضيف من بنغلاديش،‮ ‬الأستاذ رامندو،‮ ‬وهو مسرحي‮ ‬وفنان تشكيلي،‮ ‬لكنه عبر عن قلقه من تنامي‮ ‬ظواهر التعصب والتطرف والعداء للآخر في‮ ‬بلدان العالم الإسلامي،‮ ‬بما في‮ ‬ذلك في‮ ‬بلده بنغلاديش‮.‬ تحدث الرجل عن تنامي‮ ‬ظاهرة المدارس الدينية في ‬بنغلاديش،‮ ‬فمع تفشي‮ ‬الفقر والعوز في‮ ‬صفوف القطاعات الشعبية الواسعة خاصة في‮ ‬القرى والأرياف،‮ ‬مع عجز التعليم الرسمي‮ ‬عن استيعاب الأعداد المتزايدة من التلاميذ المتلهفين للمعرفة،‮ ‬فان هذه المدارس التي‮ ‬تحظى بدعم من دول وهيئات عربية توفر لها المال الضروري، ‬تتلقفهم فيتلقى هؤلاء التلاميذ الدروس على أيدي‮ ‬أساتذة محدودي‮ ‬الأفق والوعي،‮ ‬متعصبين ومشحونين بالفكر المتطرف وبالعداء للثقافات الأخرى وللأفكار الحديثة‮.‬
نتيجة ذلك هي‮ “‬تكوين‮” ‬جيل من الناشئة والشبان المشبعين بهذه الأفكار،‮ ‬حيث تتلقفهم الجماعات الإرهابية،‮ ‬التي‮ ‬تجعل منهم وقوداً‮ ‬في‮ ‬معارك عبثية،‮ ‬محرضة في‮ ‬دواخلهم بواعث الكراهية والنقمة والغضب لا على واقعهم البائس الذي‮ ‬يحتاج إلى جهودهم وأدمغتهم من أجل تطويره والارتقاء به،‮ ‬وإنما على العالم وعلى ما فيه من أفكار ومن تراث إنساني‮ ‬حافل في‮ ‬الفكر والفن والموسيقى والمسرح والسينما وغيرها من مجالات‮. ‬
لا نندهش بعد ذلك حين‮ ‬يزج بهؤلاء الشبان العرب والمسلمين في‮ ‬متاهات الانتحار العبثي،‮ ‬الذي‮ ‬لا‮ ‬يودي‮ ‬بحياتهم هم فقط،‮ ‬إنما بحياة المئات وحتى الآلاف من الأبرياء الذين‮ ‬يموتون تحت ركام الأبراج المقصوفة أو في‮ ‬عربات القطارات والحافلات فيما متوجهون إلى أعمالهم‮.‬ علينا تصور أي ‬حجم من الجهود‮ ‬يجب أن تُبذل في‮ ‬سبيل صحوة عربية‮- ‬إسلامية توقف كل هذا العبث الدموي‮.‬
 
صحيفة الايام
1 يونيو 2008