المنشور

بالونات بِيض في سماء بيروت


عندما كان أمراء الطوائف اللبنانيون مجتمعين في الدوحة، يبحثون عن توافق بينهم، رفع اللبنانيون في بيروت شعاراً يقول: لا تعودوا إن لم تتفقوا.
 
هذا الشعار يعبر عن خيبة أمل قطاعات واسعة من اللبنانيين في زعمائهم، وقرفهم مما آلت إليه الأوضاع في ظل الأزمة السياسية المتفاقمة هناك، وشعورهم بأن هذه الأزمة، هي في المقام الأول، صنيعة هؤلاء الزعماء، حيث  يبدو أن من شروط تأبيد سلطاتهم إبقاء الوضع في البلد مأزوماً.
 
لذا نستطيع أن نتفهم حالة الفرح العفوية التي اجتاحت العاصمة اللبنانية وبقية المدن لحظة أُعلن في الدوحة عن بلوغ هؤلاء الزعماء إلى اتفاق، تضمن بين ما تضمن تحديد موعدٍ يبدو مؤكدا لانتخاب الجنرال ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، فضلاً عن الاتفاق على طريقة توزيع الحصص في الحكومة المقبلة.
 
البالونات البيض التي طُيرت فوق سماء بيروت تعبر عن توق المواطن اللبناني إلى أن يعيش حياة طبيعية، وأن ينعم بالأمن والاستقلال، ويشعر بأن الدولة قد عادت إلى ممارسة وظائفها الطبيعية التي يفترض أن تؤديها أية دولة في العالم.
 
لكن محزن ألا يغدو موضوع فرحة اللبنانيين هذه أكثر من هدنة، قد تطول وقد تقصر، لأن الزعماء الذين اجتمعوا في الدوحة لم يستأصلوا جذراً واحداً من جذور الأزمة اللبنانية المستعصية.
 
يريد المواطن اللبناني البسيط الذي أضناه التوق إلى حياة طبيعية أن يصدق أن ما جرى في الدوحة هو حل للأزمة في بلاده، لذا فإنه سارع إلى إطلاق البالونات البيض ابتهاجاً، كأنه، في شكلٍ من أشكال دفاع العقل الباطن عن الحق في الحياة، يغفل عن أن أزمة بلاده على درجة من التعقيد، بحيث لم تفلح محطات اتفاق كثيرة سابقة في أن تصنع لها حلاً.
 
ولأن لبنان، أرضاً وشعباً، يعز علينا، ونهفو لأن يظل في الحيوية والجمال اللذين قدم نفسه بهما إلى العالم، فإننا نحب أن نراه وهو يتعافى، ويعود إلى أهله وإلينا سالماً.
 
ما جرى في الدوحة ليس حلاً، إنما هدنة، ولكن بوسع إرادة اللبنانيين أن تجعل من هذه الهدنة حلاً أو مدخلاً جدياً للحل، لكي تظل سماء لبنان صافية، تسبح فيها بالونات البهجة، بدلاً من أن يحجبها دخان الحروب والاقتتال.

جريدة الخليج الإماراتية 24 مايو 2008