المنشور

تحذير محمد العسومي

منذ أكثر من عشر سنوات تقدم صديقنا الباحث والخبير الاقتصادي‮ ‬الدكتور محمد العسومي‮ ‬بورقة علمية في‮ ‬مؤتمر اقتصادي‮ ‬عُقد في‮ ‬دولة الإمارات العربية المتحدة،‮ ‬نبه فيها إلى أن من‮ ‬يحدد حجم الاحتياطات النفطية في‮ ‬بلدان الخليج والآماد المتبقية على نفاذها ليست رغبات الدول المنتجة،‮ ‬ولا معدلات الإنتاج القائمة،‮ ‬وإنما حجم الطلب في‮ ‬السوق العالمي‮ ‬على النفط،‮ ‬الذي‮ ‬يُنظر إليه اليوم لا بصفته ثروة وطنية للبلدان المصدرة،‮ ‬وإنما بصفته مُلكا مشاعاً‮ ‬للدول المُستهلكة‮!‬ ‮ ‬قريبا من هذا،‮ ‬علينا ملاحظة أن إحدى أهم القضايا التي‮ ‬بحثها الرئيس الأمريكي‮ ‬جورج دبليو بوش في‮ ‬زيارته الأخيرة للمملكة العربية السعودية كان الوضع الراهن لسوق النفط العالمي‮.‬
فمع موجة ارتفاع الأسعار التي‮ ‬دفعت بسعر برميل النفط إلى مستويات خيالية وغير مسبوقة،‮ ‬أدت إلى قفزات مخيفة في‮ ‬الغلاء والتضخم،‮ ‬فان الغرب،‮ ‬وجبهته الرئيسية الولايات المتحدة،‮ ‬يمارس ضغوطاً‮ ‬مستمرة على الدول المنتجة برفع سقف إنتاجها اليومي‮ ‬من النفط الخام‮.‬ وطبيعي‮ ‬أن الأنظار في‮ ‬هذه الحالة تتوجه إلى دولة مثل المملكة العربية السعودية،‮ ‬كما إلى دول خليجية أخرى منتجة للنفط،‮ ‬تحتوي‮ ‬في‮ ‬جوف أراضيها على احتياطات كبرى منه،‮ ‬حيث تبدو هذه الدول هدفاً‮ ‬رئيسياً‮ ‬للجهود التي‮ ‬تبذل من الدول الصناعية مستهلكة الطاقة من أجل حثها على الاستمرار في ‬زيادة إنتاجها‮.‬
الولايات المتحدة استبقت وصول بوش للسعودية بالقول إن رفع إنتاج النفط الخام سيكون محور نقاش بين بوش والمسؤولين السعوديين،‮ ‬أما وزير النفط السعودي‮ ‬علي‮ ‬النعيمي‮ ‬فقد صرح بأن السعودية رفعت الإنتاج ‮٠٠٣ ‬ألف برميل‮ ‬يومياً‮.‬ ينبهنا ذلك مجدداً‮ ‬إلى التحذير الذي‮ ‬كان الدكتور العسومي‮ ‬أحد أوائل مُطلقيه،‮ ‬وهو تحذير لم‮ ‬ينل بعد الاهتمام الكافي‮ ‬حين‮ ‬يجري‮ ‬الحديث عن مستقبل ثروة النفط في‮ ‬بلداننا،‮ ‬فغالبا ما نقوم بتقدير العمر الافتراضي‮ ‬لهذه الثروة بمستويات الإنتاج الراهنة،‮ ‬أو التي‮ ‬كانت عليه قبل سنوات وربما عقود فائتة،‮ ‬لذلك‮ ‬يجري‮ ‬وضع آماد بعيدة لنفاد هذه الثروة،‮ ‬حين‮ ‬يتحدث البعض أن الاحتياطات النفطية كافية لمدة مائة عام أو أكثر في‮ ‬هذا البلد أو ذاك من بلداننا‮.‬
لكننا نغفل عن أننا لسنا من‮ ‬يحدد آماد نفاد هذه الثروات،‮ ‬وإنما الاحتياجات الفعلية للسوق العالمي،‮ ‬وتحديداً‮ ‬حاجات البلدان المتطورة التي ‬تتضاعف حاجتها إلى الطاقة،‮ ‬ومع هذا التضاعف تتضاعف كميات النفط المصدر‮ ‬يومياً‮ ‬من بلداننا إليها،‮ ‬وتمارس تلك الدول ضغوطاً‮ ‬مختلفة من أجل بلوغ‮ ‬ذلك‮ ‬غير آبهة بمستقبل هذه الثروة وبحق أجيالنا القادمة فيها‮.‬ من الناحية العملية فان الدول المنتجة للنفط تصدر‮ ‬يومياً‮ ‬أكثر بكثير من الحصص المتوافق عليها لتغطية الطلب المتزايد في‮ ‬السوق العالمية،‮ ‬وهي‮ ‬مسألة مرشحة للاستمرار،‮ ‬وبالتالي‮ ‬فإن المدة المتبقية حتى‮ ‬ينفد النفط من بلداننا بحاجة إلى إعادة تقييم‮.‬ وعلى إعادة التقييم هذه‮ ‬يفترض أن تترتب مراجعات شاملة لخطط التنمية الراهنة والمقبلة،‮ ‬كي‮ ‬لا نوهم أنفسنا بما هو‮ ‬غير حقيقي.
 
صحيفة الايام
21 مايو 2008