المنشور

السينما وحقوق الإنسان

تلعب السينما دورا في غاية الأهمية بالصوت والصورة الحية في توعية الناس والشعوب بحقوقها الانسانية الموثقة في الدساتير والتشريعات الوطنية والدولية، والتي جلها كما نعلم مازالت حبرا على ورق تزيّن تلك الدساتير والتشريعات وتتباهى بها الدول للدلالة والتأكيد على ديمقراطيتها ومراعاتها لحقوق الانسان، ولاسيما في العالم الثالث، دونما أن تترجم على حيز الواقع. لا بل ان الواقع لطالما يشهد ممارسات مخزية وانتهاكات فظة لحقوق الانسان على النقيض تماما مما تنص عليه دساتير البلدان التي تجرى فيها تلك الانتهاكات ولعل بلداننا العربية هي خير شاهد على ذلك.
وبهذا فإن الافلام السينمائية مثلما هي تلعب دورا مهما مؤثرا في توعية الناس بحقوقها الانسانية فانها في ذات الوقت تلعب دورا كبيرا في غاية الاهمية بفضح انتهاكات حقوق الانسان. وليس من قبيل المبالغة القول إن السينما هي أكثر الوسائل الاعلامية المؤثرة تأثيرا هائلا في تعرية الممارسات والانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان على اختلاف اشكالها، سواء ارتكبت بحق المرأة أم بحق الطفل ام بحق العامل ام بحق السجين ام بحق العجوز ام بحق الجندي المحارب، أم بأي حق من الحقوق الانسانية المقرة في دساتير الدول الحديثة والمواثيق والتشريعات الدولية المعاصرة.
 ولهذا المعنى فلئن أمكن لأي جهة رسمية، او غير رسمية، نفي أي معلومة عن واقعة من وقائع اتهامها بانتهاكات لحقوق الانسان او تكذيب وثيقة من الوثائق او الشهادات التي تدينها بذلك فانه من العبث والاستحالة بمكان تكذيبها الصور الموثقة بالكاميرا السينمائية فهي الدليل الدامغ الحي على جرائم الانتهاكات ومثلها سائر انواع الكاميرات المعاصرة.
لكل هذه الاعتبارات المتقدم ذكرها سعدت أيما سعادة بالفكرة التي استحدثتها الجمعية البحرينية للحريات العامة هذا العام بإقامة مهرجان البحرين الدولي لأفلام حقوق الانسان والذي تم تنظيمه في اوائل شهر مايو الجاري ورعى حفل افتتاحه جلالة الملك الذي اناب عنه في ذلك وزير الاعلام جهاد بوكمال وحضره وزير البلديات منصور بن رجب ولفيف من الشخصيات الحقوقية البارزة، وعرض في نهايته فيلم وثائقي عن حياة الزعيم الوطني الهندي المهاتما غاندي، هذا الى جانب معرض لصور جرائم الاحتلال الاسرائيلي.
وبناء على دعوة كريمة وملحة من الصديق الدكتور محمد الانصاري رئيس جمعية الحريات العامة حرصت رغم انشغالاتي العديدة على حضور ذلك الحفل بصحبة ابنائي رغبة مني في أن تكون الفعالية وسيلة من وسائل توعيتهم وتثقيفهم بحقوق الانسان. وكان الدكتور الأنصاري قد طلب مني ان اعبر عن رأيي وانطباعاتي عن هذا المهرجان، وبطبيعة الحال لم يتسن لي لظروف موضوعية طارئة خارجة عن الارادة متابعة افلام المهرجان التي عرضت تباعا في الايام التالية، وإن كنت قد قرأت بعدئذ عن انطباعات بعض الكتاب الصحفيين عنها، ولكن يمكن القول بوجه عام ان فكرة هذه الفعالية جيدة ومهمة وينبغي استغلالها كتقليد وعرف سنوي بالشراكة إن أمكن مع سائر جمعيات حقوق الانسان واللجان المعنية في الجمعيات السياسية.
وأرى من الأهمية بمكان لتطوير هذه الفعالية الا تقتصر افلام المهرجان على الافلام الدولية بل ان تطعم بأفلام بحرينية وعربية وخليجية ودولية سواء الوثائقية منها ام الدرامية. وفي هذا الصدد فان الاستعانة بالافلام العربية الدرامية الشهيرة التي تتناول جوانب من حقوق الانسان في اعتقادي لا تقل اهمية عن الافلام الوثائقية، ولاسيما مع وجود لجنة تحكيم نقدية تسهم في التعليق الموضوعي السياسي التوعوي على الفيلم بعد انتهائه مباشرة فضلا عن دورها التحكيمي بعدئذ في تقييم الافلام المعروضة. نشد على أيدي اداريي واعضاء جمعية الحريات العامة على هذه الفعالية الجميلة وعلى أيدي جميع من تعاونوا معها في احيائها، آملين لها المزيد من التطور في السنوات المقبلة.
 
صحيفة اخبار الخليج
20 مايو 2008