المنشور

شيء ما عن انتخابات الكويت

بصرف النظر عن النتائج التي‮ ‬أسفرت عنها الانتخابات النيابية التي‮ ‬جرت في‮ ‬الكويت‮ ‬يوم السبت الماضي،‮ ‬والتي‮ ‬جاءت نتائجها،‮ ‬حسب المحللين،‮ ‬لمصلحة تحالف القبليين والسلفيين،‮ ‬علينا أن ننظر،‮ ‬قبل النتائج،‮ ‬إلى أهمية الممارسة الديمقراطية في‮ ‬هذا البلد الخليجي‮ ‬الشقيق‮.‬ فثمة ما ‬يدعو إلى رفع القبعات احتراماً‮ ‬حين‮ ‬يدور الحديث عن الانتخابات في‮ ‬الكويت،‮ ‬لا لأنه في‮ ‬هذا البلد ديمقراطية مثالية،‮ ‬فالمثالب والمآخذ التي ‬يمكن أن تساق في‮ ‬هذا الصدد ليست قليلة،‮ ‬لكن بوسع الكويت والكويتيين التباهي‮ ‬بأنه كان لديهم دائماً‮ ‬برلمان قوي،‮ ‬تعامل مع السلطة التنفيذية من موقع الندية،‮ ‬ولم‮ ‬يتردد في‮ ‬أن‮ ‬يدفع بوزراء من الوزن الثقيل إلى منصة الاستجواب وسحب الثقة‮.
وعلى الدوام كانت في‮ ‬مجلس الأمة الكويتي‮ ‬أصوات شجاعة لا تتردد في‮ ‬مقارعة الفساد،‮ ‬والمطالبة بحماية المال العام من التطاول عليه‮.‬ البرلمان المنتخب ليس كلمة تلقى على عواهنها،‮ ‬ففي‮ ‬كثير من البلدان العربية تجرى انتخابات،‮ ‬ولكنها لا تحمل من الانتخابات سوى اسمها‮.‬ فالأحزاب الحاكمة أو الجبهات الوطنية الملحقة ببعضها،‮ ‬وأجهزة الأمن وما هو على منوالها تضع قوائم الفائزين سلفاً،‮ ‬وتؤمن لهم من الأصوات ما هو ضروري،‮ ‬وإن عزّ‮ ‬تأمين هذه الأصوات بالتي‮ ‬هي‮ ‬أحسن،‮ ‬يمكن أن تدخل‮ “‬الكرابيج‮” ‬وأساليب البلطجة في‮ ‬إنجاز المهمة على خير وجه‮.
صحيح أن الحكومة في‮ ‬الكويت هي‮ ‬الأخرى لاعب سياسي،‮ ‬شأنها شأن بقية اللاعبين وربما أقواهم،‮ ‬وصحيح أيضاً‮ ‬أنها تسعى للتأثير في‮ ‬مخرجات الانتخابات وتكييفها بما‮ ‬يلائمها،‮ ‬لكن حدود المناورة الحكومية هناك محكومة بضوابط أرساها دستور عقدي‮ ‬هو من أهم دساتير المنطقة العربية على الإطلاق،‮ ‬فهو إذ كرّس شرعية الحكم في‮ ‬عائلة الصباح،‮ ‬منح الشعب بالمقابل وعبر مجلس الأمة،‮ ‬صلاحيات واسعة في‮ ‬الرقابة على الحكومة،‮ ‬بشكل جعل من هذا المجلس شريكاً‮ ‬لا تابعاً‮ ‬أو مُلحقاً‮.‬
يبقى مهماً‮ ‬التوقف أمام قضية أن الانتخابات الكويتية الأخيرة جرت وفق توزيع جديد للدوائر الانتخابية،‮ ‬فبعد أن كان عددها خمساً‮ ‬وعشرين دائرة حسب النظام القديم،‮ ‬تقلصت إلى خمس دوائر كبيرة،‮ ‬تنتخب كل واحدة منها عشرة نواب،‮ ‬شريطة ألا‮ ‬يتاح للناخب اختيار أكثر من أربعة مرشحين،‮ ‬مما‮ ‬يوسع دائرة الاختيار ويعطي‮ ‬فرصاً‮ ‬لقوى مختلفة أن تجد فرصة لها في‮ ‬الفوز‮.‬
التوزيع الجديد للدوائر لم‮ ‬يعط،‮ ‬هذه المرة،‮ ‬نتائجه المرجوة في‮ ‬تمكين المرأة والشخصيات الليبرالية والديمقراطية من الفوز،‮ ‬ومرة أخرى أحكمت العناصر المحافظة قبضتها على مجلس الأمة،‮ ‬لكن هذا الأمر‮ ‬يجب ألا‮ ‬يقلل من المزايا الايجابية للنظام الانتخابي‮ ‬الجديد في‮ ‬الأفق المستقبلي‮.‬ أما إخفاق المرأة وكذلك بعض الشخصيات الديمقراطية والليبرالية في‮ ‬الفوز بمقاعد لها في‮ ‬المجلس،‮ ‬فلا‮ ‬يجب النظر إليه بمعزل عن آليات الحراك السياسي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬المعقدة في‮ ‬بلداننا في‮ ‬العقود الأخيرة،‮ ‬وأوجه الضعف في‮ ‬أداء القوى الديمقراطية عامة لا في‮ ‬الكويت وحدها‮.‬
 
صحيفة الايام
20 مايو 2008