­

المنشور

“‬إفشال‮” ‬الوفاق‮.. ‬لمصلحة من؟


لا‮ ‬يحتاج المراقب لأداء مجلس النواب في‮ ‬دوري‮ ‬انعقاده المنتهيين حتى الآن من الفصل التشريعي‮ ‬الثاني،‮ ‬الذي‮ ‬تميز،‮ ‬كما بات معلوماً،‮ ‬بدخول الكتلة الوفاقية إليه،‮ ‬بعد أن قررت كبرى الجمعيات السياسية في‮ ‬البلد إنهاء مقاطعتها للحياة النيابية أن هناك مسعى من جانب بقية الكتل النيابية لإفشال الوفاق وإظهارها بمظهر العاجز عن تقديم أي‮ ‬انجاز تُقنع به جمهورها الكبير الذي‮ ‬كان‮ ‬يتطلع من وراء مشاركتها في‮ ‬المجلس إلى مكاسب ملموسة‮.‬ بوسعنا،‮ ‬لو اقتضى الأمر،‮ ‬أن نعدد مآخذ لدينا على أداء الوفاق النيابي،‮ ‬وأن نشير إلى أن سلم أولوياتها ككتلة نيابية معارضة اعتاره خلل في‮ ‬أكثر من محطة،‮ ‬لكن ليس هذا هو موضوع الحديث،‮ ‬فهذا أمر وذاك المسعى المنهجي‮ ‬المدروس الذي‮ “‬تفاهمت‮” ‬عليه بقية الكتل،‮ ‬وبرضا حكومي،‮ ‬للحيلولة بين الوفاق وبين تحقيق أي‮ ‬انجاز ملموس أمر آخر‮.‬
لا‮ ‬يتصل الأمر فقط بمسألة الاستجوابات التي‮ ‬شغلت وقت المجلس واهتمام الرأي‮ ‬العام،‮ ‬وإنما بسلسلة من المواقف،‮ ‬لم تتورع فيها الكتل النيابية الأخرى أن تخالف صراحة أحكام اللائحة الداخلية للمجلس،‮ ‬وحتى بعض الأحكام الدستورية،‮ ‬مستفيدة مما‮ ‬يدعوه أمين عام الوفاق الشيخ علي ‬سلمان‮ “‬الغلبة العددية‮” ‬التي‮ ‬لدى هذه الكتل في‮ ‬المجلس في‮ ‬محاصرة الوفاق وإرباك أدائها‮.‬ مشاركة الوفاق في‮ ‬انتخابات ‮٦٠٠٢ ‬والنتائج التي‮ ‬أحرزتها فيها كان‮ ‬يمكن أن تؤسس لمرحلة جديدة من التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية على قاعدة التكافؤ والندية،‮ ‬لا الإلحاق والتبعية،‮ ‬وأن‮ ‬يُصار،‮ ‬في‮ ‬نتيجة ذلك،‮ ‬إلى تسوية أمور عديدة عالقة،‮ ‬بشكلٍ‮ ‬يؤمن الاستقرار الاجتماعي‮ ‬في‮ ‬البلد،‮ ‬ويدفع بالعملية الإصلاحية في ‬مسارات جديدة،‮ ‬تعزز الشراكة بين الدولة والمجتمع‮.‬
وقلنا‮ ‬غداة الإعلان عن نتائج الانتخابات،‮ ‬رغم كل مآخذنا على طريقة تشكيل الوفاق لقائمتها‮ “‬الإيمانية‮”‬،‮ ‬إن على الدولة أن تلتقط المسعى الايجابي‮ ‬للوفاق بالمشاركة بأن ترد عليها التحية بأحسن منها،‮ ‬لضمان بلوغ‮ ‬الأهداف التي‮ ‬أشرنا إليها أعلاه،‮ ‬ولكن للأسف فإن الأمور سارت،‮ ‬داخل مجلس النواب،‮ ‬في‮ ‬المجرى المغاير،‮ ‬الذي‮ ‬فاقم من حالة استياء قاعدة الوفاق،‮ ‬ودفع الوضع نحو مظاهر تأزم جديدة،‮ ‬وبدلا من تشكيل مناخ من الثقة،‮ ‬تقتضي‮ ‬الأمانة القول إن الوفاق سعت إليه،‮ ‬تشكل مناخ من التوتر والشد والشكوك المتبادلة‮.‬ في‮ ‬تقديرنا،‮ ‬إن الإمعان في‮ ‬نهج إفشال الوفاق برلمانيا سيؤدي،‮ ‬في‮ ‬ظل توازنات القوى الميدانية،‮ ‬إلى إلحاق المزيد من الإضرار بمجمل العملية السياسية في‮ ‬البلد،‮ ‬وسيصيب ما تبقى من مصداقية لمجلس النواب في‮ ‬مقتل،‮ ‬وسيُفقد الناس أي‮ ‬أمل في‮ ‬أن‮ ‬يسفر عن هذا المجلس أي‮ ‬انجاز فعلي‮.‬ أكثر من ذلك،‮ ‬فإن هذا النهج سيُفاقم من الغلواء الطائفية التي‮ ‬يزداد أوراها اشتعالا في‮ ‬الفترة الأخيرة،‮ ‬ويعمق حالة الاستقطاب المذهبي‮ ‬لا في‮ ‬مجلس النواب وحده،‮ ‬وإنما في‮ ‬المجتمع برمته‮.‬ ولا نحسب أن إنسانا‮ ‬غيورا على وطنه ومستقبله‮ ‬يرضيه أن تندفع الأمور في‮ ‬هذا الاتجاه.
 
صحيفة الايام
18 مايو 2008