لا يحتاج المراقب لأداء مجلس النواب في دوري انعقاده المنتهيين حتى الآن من الفصل التشريعي الثاني، الذي تميز، كما بات معلوماً، بدخول الكتلة الوفاقية إليه، بعد أن قررت كبرى الجمعيات السياسية في البلد إنهاء مقاطعتها للحياة النيابية أن هناك مسعى من جانب بقية الكتل النيابية لإفشال الوفاق وإظهارها بمظهر العاجز عن تقديم أي انجاز تُقنع به جمهورها الكبير الذي كان يتطلع من وراء مشاركتها في المجلس إلى مكاسب ملموسة. بوسعنا، لو اقتضى الأمر، أن نعدد مآخذ لدينا على أداء الوفاق النيابي، وأن نشير إلى أن سلم أولوياتها ككتلة نيابية معارضة اعتاره خلل في أكثر من محطة، لكن ليس هذا هو موضوع الحديث، فهذا أمر وذاك المسعى المنهجي المدروس الذي “تفاهمت” عليه بقية الكتل، وبرضا حكومي، للحيلولة بين الوفاق وبين تحقيق أي انجاز ملموس أمر آخر.
لا يتصل الأمر فقط بمسألة الاستجوابات التي شغلت وقت المجلس واهتمام الرأي العام، وإنما بسلسلة من المواقف، لم تتورع فيها الكتل النيابية الأخرى أن تخالف صراحة أحكام اللائحة الداخلية للمجلس، وحتى بعض الأحكام الدستورية، مستفيدة مما يدعوه أمين عام الوفاق الشيخ علي سلمان “الغلبة العددية” التي لدى هذه الكتل في المجلس في محاصرة الوفاق وإرباك أدائها. مشاركة الوفاق في انتخابات ٦٠٠٢ والنتائج التي أحرزتها فيها كان يمكن أن تؤسس لمرحلة جديدة من التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية على قاعدة التكافؤ والندية، لا الإلحاق والتبعية، وأن يُصار، في نتيجة ذلك، إلى تسوية أمور عديدة عالقة، بشكلٍ يؤمن الاستقرار الاجتماعي في البلد، ويدفع بالعملية الإصلاحية في مسارات جديدة، تعزز الشراكة بين الدولة والمجتمع.
وقلنا غداة الإعلان عن نتائج الانتخابات، رغم كل مآخذنا على طريقة تشكيل الوفاق لقائمتها “الإيمانية”، إن على الدولة أن تلتقط المسعى الايجابي للوفاق بالمشاركة بأن ترد عليها التحية بأحسن منها، لضمان بلوغ الأهداف التي أشرنا إليها أعلاه، ولكن للأسف فإن الأمور سارت، داخل مجلس النواب، في المجرى المغاير، الذي فاقم من حالة استياء قاعدة الوفاق، ودفع الوضع نحو مظاهر تأزم جديدة، وبدلا من تشكيل مناخ من الثقة، تقتضي الأمانة القول إن الوفاق سعت إليه، تشكل مناخ من التوتر والشد والشكوك المتبادلة. في تقديرنا، إن الإمعان في نهج إفشال الوفاق برلمانيا سيؤدي، في ظل توازنات القوى الميدانية، إلى إلحاق المزيد من الإضرار بمجمل العملية السياسية في البلد، وسيصيب ما تبقى من مصداقية لمجلس النواب في مقتل، وسيُفقد الناس أي أمل في أن يسفر عن هذا المجلس أي انجاز فعلي. أكثر من ذلك، فإن هذا النهج سيُفاقم من الغلواء الطائفية التي يزداد أوراها اشتعالا في الفترة الأخيرة، ويعمق حالة الاستقطاب المذهبي لا في مجلس النواب وحده، وإنما في المجتمع برمته. ولا نحسب أن إنسانا غيورا على وطنه ومستقبله يرضيه أن تندفع الأمور في هذا الاتجاه.
صحيفة الايام
18 مايو 2008