المنشور

مأزق مجلس النواب


الطريقة التي دارت بها، واليها انتهت، الجلسة الأخيرة لمجلس النواب في دور الانعقاد الثاني، لخصت، في أبلغ الصور وأكثرها تعبيراً مأزق هذا المجلس، وهو مأزق آيل إلى التفاقم لا إلى الانفراج.
كل ما دار في هذه الجلسة يدل على أن لا شيئا يرتجى من مجلسٍ بهذا التكوين، ويمكن الذهاب بهذا التأكيد حتى أقصاه، فنقول أن مثل هذا التكوين أُريد لهذا المجلس، كي يصبح مجلساً لا يرتجى منه أمر.
أوجه مأزق المجلس كثيرة، أكثر من أن تُحيط بها عجالة مثل هذه، ولأن في الإعادة إفادة كما يُقال، فلنبدأ بانتقاص صلاحيات المجلس، لا بحكم النصوص الدستورية وحدها، وإنما أيضاً بحكم اللائحة الداخلية التي فُرضت فرضاً على المجلس من قبل السلطة التنفيذية.
ومن بين الثغرات الكثيرة للائحة الداخلية أنها حصرت استجواب الوزراء في إطار اللجان المختصة، والمجلس الذي لم ينتفض مرة واحدة دفاعاً عن الحق في أن يكون هذا الاستجواب في جلسة عامة من جلساته بأن يغير من نص لائحته الداخلية بهذا الخصوص، أراد أن يتجاوز هذا النص،قبل تغييره، بأن تصرف على خلاف ما ينص عليه بإدانة الوزير منصور بن رجب في جلسة الثلاثاء الماضية، ناقضاً ما انتهت إليه اللجنة المختصة بعدم إدانة الوزير.
لم تأت هذه ” النخوة” الطارئة من باب حرص النواب الذين خرقوا نص اللائحة الداخلية على مقارعة الفساد، ممثلا في هذه الحالة في شخص الوزير المعني، وإنما من باب استعراض الفزعة الطائفية المقيتة، كأن للفساد مذهب أو طائفة.
ستستنفر هذه الفزعة الطائفية فزعة طائفية أخرى، والفزعات الطائفية هي من معدنٍ واحد في كل الأحوال، حين يكون باعثها حس طائفي يريد أصحابه أن يظهروا لجمهورهم المسكين أنهم ينتصرون لمصالح الطائفة، السنية منها أو الشيعية، تبعاً للموقع الذي ينطلق منه المعنيون.
 جلسة مجلس النواب الأخيرة، التي استحقت بجدارة وصف “مسك الختام”، ولكن في دلالة معكوسة، ساخرة، كانت بامتياز جلسة تشفي نواب الطوائف من بعضهم بعضاً، في تجلٍ نموذجي للمصيدة التي قُيد إليها هذا المجلس، حين صُمم توزيع المقاعد فيه وفق القسمة المذهبية، وأسندت للبعض من النواب أدوار استثارة النعرات الطائفية فيه، ليغرق المجلس في متاهة هذه التجاذبات المُدمرة.
أما القضايا الحيوية التي تعني المواطن ومستقبل الإصلاح في هذا الوطن فهي مركونة جانباً، وليس أدل على ذلك من أن الحد الأدنى من التعديلات الدستورية التي يفترض أن الكتل توافقت عليها، رُكنت في جلسة المجلس الأخيرة جانباً، فيما القوم منصرفون لمعارك التشفي المذهبي.
سيذهب النواب إلى إجازتهم الطويلة، ولعل لسان المواطن البسيط يقول غيابهم كحضورهم سواء.
أُسدل ستار المسرح منذ يومين، انتظروا استئناف العرض بعد نحو خمسة شهور يكون فيها المتبارون قد استجمعوا قواهم ليعودوا للعراك المذهبي بحماسٍ أشد
.