­

المنشور

مصر وأمانات المنظمات العربية والدولية

كانت مصر هي الدولة العربية أرست عرفا ضمنيا بأن يكون أمين عام جامعة الدول العربية مصريا، أي من دولة المقر. وباستثناء الفترة التي تم فيها نقل المقر الى تونس على إثر توقيع القاهرة معاهدة الصلح مع اسرائيل، حيث تقلد الامانة العامة التونسي الشاذلي القليبي، باعتباره من دولة المقر الجديد، فإن كل الأمناء العامين للجامعة العربية منذ تأسسها عام 1945 حتى اليوم هم مصريون، بدءا من عبدالرحمن عزام ومرورا بعبدالخالق حسونة وانتهاء بأمينها العام الحالي عمرو موسى.
وهذا العرف الذي تكرس بالرغم من مرور ستة عقود على انشاء الجامعة جرت خلالها مياه كثيرة ومتغيرات عربية ودولية كبرى انما تم ارساؤه بالتوافق مع الدول الاعضاء التي نحت الى مجاملة الدولة التي تستضيف وتحتضن مبنى المقر، ناهيك عما تلعبه مصر من نفوذ سياسي معنوي على الساحة العربية، وعلى الاخص خلال حقبة الصعود القومي الناصري ابان عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر المعروف بتمتعه بشعبية عربية كارزمية كاسحة، علما بأنه لم يعين في عهده سوى أمين عام مصري للجامعة العربية هو عبدالخالق حسونة (1952 ــ 1971)، وهي أطول فترة يتولى فيها هذا المنصب أمين عام للجامعة.
على ان الجدل العربي بدأ يثور على الساحة السياسية العربية منذ تولي الرئيس المصري السادات السلطة في مصر حول أهمية مراجعة هذا العرف وحاجة الأمانة العامة لضخ دماء عربية جديدة اليها بالتناوب من مختلف الدول العربية وعلى الاخص الدول العربية الكبرى المؤثرة على الساحة العربية ومن ثم الحاجة الى كسر احتكار مصر لهذا المنصب باعتباره حقا عاما لكل الدول العربية كأعضاء متساوين في الجامعة العربية . وطفح هذا الجدل على السطح غداة توقيع مصر اتفاقيات كامب ديفيد مع اسرائيل عام 1979، ثم بلغ ذروته عشية اسناد المنصب الى عمرو موسى عام 2001، والذي كان وزيرا للخارجية المصرية لسنوات طويلة، ومثله كان كذلك كل من محمود رياض واحمد عصمت عبدالمجيد.
ويبدو ان القاهرة بصدد نقل هذا العرف الى بعض المنظمات الدولية، أي بممارسة نفوذها الدبلوماسي العربي وحتى الاقليمي والدولي لدعم ترشيحها في تلك المنظمات كما حدث بنجاحها في تسمية بطرس غالي (وزير دولة للشئون الخارجية) للمنظمة الفرانكفونية وغيرها من المنظمات العربية والاقليمية والدولية. والملاحظ ان مصر كذلك غالبا ما تلجأ الى اسناد مثل هذا الترشيح لشخصية من شخصياتها الحكومية في التشكيلة الوزارية، وهو على ما يبدو كنوع من التكريم لهذه الشخصية أو تلك، وخاصة ممن قضوا وقتا طويلا في حقيبتهم الوزارية كبعض وزراء الخارجية الذين أشرنا اليهم آنفا، وغالبا ما يظل هؤلاء بدورهم سنوات طويلة في مناصبهم الدولية الجديدة. ولعل ما توليه مصر من اهتمام بالغ منذ عامين لدعم ترشيح وزير الثقافة فاروق حسني لمنصب أمين عام اليونسكو، والذي تولى وزارة الثقافة منذ أكثر من عشرين عاما، لهو امتداد وتكريس لهذا العرف المصري.
لا أحد يقلل بطبيعة الحال من الكفاءات المصرية، سواء لمنصب الأمانة العامة للجامعة العربية أم لأي أمانات أخرى من المنظمات العربية والدولية، لكننا نعتقد ان الظروف العربية والاقليمية التي جرى خلالها ردحا من الزمن تكريس مثل هذا العرف قد تغيرت كثيرا وآن الأوان لأن تراجع مصر والدول العربية سويا هذا التقليد، وبخاصة بالنظر الى ان عطاءات أي شخصية مصرية مهما شهد لها بالكفاءة قد استهلكت مقدما طويلا في العمل الحكومي التنفيذي البيروقراطي هي ليست كعطاءات كفاءات جديدة في متوسط العمر، كالاربعينيات او الخمسينيات منه، كما ان قدرة شخصية مصرية على الحركة والاقناع وهي تتمتع بقدر معقول متوازن وشبه حيادي على الاقل بين الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني العربية لقيادة جامعة الدول العربية أو أي منظمة دولية ليست كقدرة شخصية مصرية احترقت طويلا مقدما في الجهاز البيروقراطي الحكومي وأحيطت بها شبهات بالفساد، ولربما ترتب على بقائها الطويل في المؤسسة الحكومية خصومات في الداخل كما في الخارج، ومن ثم فإن الحاجة تغدو ملحة لترشيح شخصية كفوءة مصرية من خارج المؤسسة البيروقراطية المصرية هو أضعف الإيمان إذا ما تمسكت مصر والدول العربية بهذا العرف المتقادم.
 
صحيفة اخبار الخليج
13 مايو 2008